أيّد الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية («المينورسو») أريك جونسون الأفكار التي طرحها بيتر فان فالسوم، الموفد الشخصي للأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون، في شأن أن استقلال الصحراء «ليس خياراً واقعياً». وقال إنه متأكد أن لا خلاف بين الأمين العام وموفده الشخصي في شأن هذه القضية.
وعمل جونسون الذي التقته «الحياة» في لندن، في بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) طوال خمس سنوات (من 1993 إلى 1998)، بينها أربع سنوات رئيساً للبعثة. وتركّز عمله في تلك الفترة على محاولة «تحديد الهوية» للصحراويين الذين يحق لهم أن يشاركوا في استفتاء تقرير المصير، وهي عملية توقفت نتيجة خلافات استعصت على الحل بين المغرب وجبهة «بوليساريو» في شأن من هم الصحراويون. كما عمل جونسون لاحقاً مع المبعوث الشخصي السابق للأمين العام جيمس بيكر خلال تحضيره جولات المفاوضات المباشرة بين المغرب و «بوليساريو» والتي أثمرت «اتفاقات هيوستن».
وسألت «الحياة» جونسون عن رأيه في موقف فان فالسوم الخاص بأن خيار استقلال الصحراء «ليس خياراً واقعياً»، وهو موقف أثار ضجة لدى بعض أعضاء مجلس الأمن وأدى إلى انتقادات من «بوليساريو» والجزائر، فأجاب: «أمضيت خمس سنوات في الصحراء الغربية من 1993 إلى 1998، لكنني ما زلت اتابع دائماً وعن قرب التطور في العملية (السلمية) هناك. ويسرّني أن الخلاصات التي توصلت إليها شبيهة جداً بالخلاصات التي توصل اليها الآن مجلس الأمن الذي أيد أفكار السيد فان فالسوم، وربما يمكنني أن أقول إنها أيضاً أفكار السيد بان كي مون. فمن المهم القول إن كليهما ملتزم الدفع بهذه الطريق إلى أمام».
وشرح: «اتضح لي خلال عملي في مهمة تحديد هوية الصحراويين الذين تحق لهم المشاركة في الاستفتاء، وأيضاً خلال عملي مع السيد بيكر تمهيداً لاجتماعات هيوستن، أن الأمر لن ينجح أبداً. لم يكن ممكناً التوصل إلى خيار حاسم: إما الاستقلال الكامل (للصحراويين عن المغرب)، أو الاندماج الكامل. لم أعتقد أن ذلك يمكن أن يحصل، لأسباب عديدة. منها ما له علاقة بالجيو - بوليتيك بالتأكيد، ولكن أيضاً ما له علاقة بالإثنية - الجغرافية، وكيفية فهم المنطقة وهويتها، فالصحراويون، كما لا يعرف سوى قلة من خارج المنطقة، ليسوا محصورين فقط بالصحراء الغربية. يمكنك أن تجد صحراويين يعيشون في جنوب المغرب وشمال موريتانيا وحتى في جنوب غربي الجزائر. لا يمكن حصرهم فقط في ذلك المستطيل الذي رُسم في أيام الاستعمار. لذلك كانت وجهة نظري أن لا بد من السعي إلى بديل (عن الاستقلال الكامل أو الاندماج الكامل). وعملت خلال وجودي هناك على طرح إمكان أن يكون الحكم الذاتي وسيلة للتقدم الى أمام، وحصل اجتماع عالي المستوى بين الطرفين لمناقشة ذلك، قبل سنوات من الآن، لكنها لم تكن فكرة مقبولة للجميع، وإن نظر إليها آخرون على أنها صائبة».
وزاد: «من المهم الملاحظة أن مجلس الأمن كرر أن أي حل يجب أن يكون من خلال التوافق المتبادل (بين الطرفين). لكن ذلك لم يكن كافياً. فالمغرب قدّم العام الماضي اقتراحاً مثيراً جداً للاهتمام يقضي بمنح الصحراويين درجة عالية من الحكم الذاتي، لكن «بوليساريو» رفضته وأصرّت على أن الاستقلال يجب أيضاً أن يكون أحد الخيارات المتداولة. غير أن الذي حصل الآن هو أن السيد فان فالسوم أخذ خطوة شجاعة من خلال قوله إنه لا يعتقد أن ذلك واقعي، وقوله إن هناك قوى أساسية قد تكون مرتاحة نتيجة استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه. ولأسباب وجيهة، لا أعتقد أن استمرار الوضع الراهن يمكن القبول به، لا أعتقد أنه صائب. لا يمكن أن يبقى سكان تلك المنطقة محرومين من إمكانات التقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي يتحقق فقط مع تسوية هذه القضية التي تعيق تطور الاتحاد المغاربي، وتؤثر (سلباً) في شكل جذري في العلاقات بين المغرب والجزائر».
وهل يعتقد أن بان كي مون ليس بالضرورة على اختلاف مع أفكار موفده الخاص فان فالسوم، بل هما «يغنيان من الأغنية نفسها»؟ أجاب جونسون: «نعم، أعتقد ذلك، من تجربتي الشخصية من خلال عملي في مهمة شبيهة بمهمة فان فالسوم، ولكن مع أمين عام مختلف. إذا كنت تمثّل الأمين العام، فإنك لا تأخذ موقفاً مختلفاً جذرياً عن موقفه. وظيفتك هي أن تمثّله. وأحياناً يمكن أن يسمح الأمين العام لموفده بأن يذهب أبعد مما يمكن أن يفعله هو، من أجل «جس النبض». ولكن هذا الأمر يدخل في إطار العملية الديبلوماسية ذاتها. لستُ السيد فان فالسوم ولستُ السيد بان كي مون، لكنني أشكك جداً في أن هناك اختلافاً حقيقياً بينهما، بل إنني متأكد أن السيد بان كي مون سمح لفان فالسوم بهامش من حرية الحركة كي يستشعر هل هذا الاقتراح يمثّل الطريق إلى أمام».
وأشار جونسون إلى إشادة دول غربية، خصوصاً الولايات المتحدة، بأفكار فان فالسوم، وقال: «كأنهم (الدول الغربية) يقولون: دعونا نقبل حقيقة أن الاستقلال لا يمكن تحقيقه، ولذلك لا بد من طرح أفكار بديلة بدلا من أن نتوقف في مكاننا ونجعل من هذه العقبة عائقاً أمام مزيد من المفاوضات. لقد حصلت أربع جولات من المفاوضات في مانهاست حتى الآن، لكنها لم تؤد إلى أي تقدم، بحسب ما أعرف. الذي حصل هو أن كل طرف حدد موقفه. المغرب قدّم موقفه الخاص بخطة الحكم الذاتي وقال إن هذا الأمر هو ما نريد أن نتكلم عنه، و «بوليساريو» قالت: سنتكلم في هذا الخيار، ولكن الاستقلال يجب أن يكون أيضاً أحد الخيارات. فرد المغرب بأنه لن يبحث في خيار الاستقلال. والذي يحصل أن كل طرف كان يعيد تكرار تحديد موقفه. أحياناً تكرار الفكرة لا يدفع بالأمور الى أمام بل يُغرقك أكثر في مكانك. والذي حصل الآن هو أن مجلس الأمن ناقش الأمر بشيء من الحدة على مدى ست ساعات تقريباً (في جلسته الأخيرة عن الصحراء) وخرج من الجلسة بموقف مهم، إذ قال: لقد جربنا ذلك (الخيارات التي كانت متداولة)، ولم نصل إلى نتيجة. نريد حلاً من أجل مصلحة سكان المنطقة، ومن أجل مصلحة أشمل، فالقوى الغربية واعية لمخاطر مرتبطة بقضية الصحراء، من الإرهاب إلى الهجرة غير الشرعية».
وقيل له: من خلال تجربتك، هل يحق لفان فالسوم أن يأخذ موقفاً داعماً لطرف دون الآخر إذا كان وسيطاً بينهما؟
فرد: «خلال الوقت الذي قضيته هناك، حاولت دائماً أن أبلور موقفاً يمكن أن يقبله الطرفان، إذ ليست عندنا القدرة على فرض موقفنا عليهما. ولكن في خلال عملية بلورة الحل، قد أُغضب طرفاً فيقول لي إنه لا يريد أي علاقة له بي، ويتهمني بأنني منحاز، وأحياناً أخرى يقول الطرف الآخر الأمر نفسه عني ويتهمني بأنني منحاز. هذا الوضع لا يمكن سوى أن يحصل (للوسيط). سيأتي وقت تُغضب فيه هذا الطرف أو ذاك. ولكن إذا كنت تريد تحريك الأمور، فإن ذلك لا بد وأن يحصل».
وسُئل هل يعتقد أن مفتاح حل أزمة الصحراء مع الصحراويين أم الجزائريين، كما يقول المغاربة؟ فأجاب: «تقيم «بوليساريو» على أرض الجزائر، وأعتقد أن ذلك قد يكون كافياً للإجابة عن السؤال. بكلام آخر، يمكن للجزائريين أن يجعلوا الأمر مستحيلاً أو غير مستحيل على الصحراويين، كما يشاؤون. الصحراويون هم من يتكلم في شأن قضيتهم ويناضل من أجلها، ولكن من دون مواصلة الجزائر تضامنها مع موقفهم فإنه لا يكون هناك داعم حقيقي لهم».
لندن - كميل الطويل
الحياة - 04/05/08
وعمل جونسون الذي التقته «الحياة» في لندن، في بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) طوال خمس سنوات (من 1993 إلى 1998)، بينها أربع سنوات رئيساً للبعثة. وتركّز عمله في تلك الفترة على محاولة «تحديد الهوية» للصحراويين الذين يحق لهم أن يشاركوا في استفتاء تقرير المصير، وهي عملية توقفت نتيجة خلافات استعصت على الحل بين المغرب وجبهة «بوليساريو» في شأن من هم الصحراويون. كما عمل جونسون لاحقاً مع المبعوث الشخصي السابق للأمين العام جيمس بيكر خلال تحضيره جولات المفاوضات المباشرة بين المغرب و «بوليساريو» والتي أثمرت «اتفاقات هيوستن».
وسألت «الحياة» جونسون عن رأيه في موقف فان فالسوم الخاص بأن خيار استقلال الصحراء «ليس خياراً واقعياً»، وهو موقف أثار ضجة لدى بعض أعضاء مجلس الأمن وأدى إلى انتقادات من «بوليساريو» والجزائر، فأجاب: «أمضيت خمس سنوات في الصحراء الغربية من 1993 إلى 1998، لكنني ما زلت اتابع دائماً وعن قرب التطور في العملية (السلمية) هناك. ويسرّني أن الخلاصات التي توصلت إليها شبيهة جداً بالخلاصات التي توصل اليها الآن مجلس الأمن الذي أيد أفكار السيد فان فالسوم، وربما يمكنني أن أقول إنها أيضاً أفكار السيد بان كي مون. فمن المهم القول إن كليهما ملتزم الدفع بهذه الطريق إلى أمام».
وشرح: «اتضح لي خلال عملي في مهمة تحديد هوية الصحراويين الذين تحق لهم المشاركة في الاستفتاء، وأيضاً خلال عملي مع السيد بيكر تمهيداً لاجتماعات هيوستن، أن الأمر لن ينجح أبداً. لم يكن ممكناً التوصل إلى خيار حاسم: إما الاستقلال الكامل (للصحراويين عن المغرب)، أو الاندماج الكامل. لم أعتقد أن ذلك يمكن أن يحصل، لأسباب عديدة. منها ما له علاقة بالجيو - بوليتيك بالتأكيد، ولكن أيضاً ما له علاقة بالإثنية - الجغرافية، وكيفية فهم المنطقة وهويتها، فالصحراويون، كما لا يعرف سوى قلة من خارج المنطقة، ليسوا محصورين فقط بالصحراء الغربية. يمكنك أن تجد صحراويين يعيشون في جنوب المغرب وشمال موريتانيا وحتى في جنوب غربي الجزائر. لا يمكن حصرهم فقط في ذلك المستطيل الذي رُسم في أيام الاستعمار. لذلك كانت وجهة نظري أن لا بد من السعي إلى بديل (عن الاستقلال الكامل أو الاندماج الكامل). وعملت خلال وجودي هناك على طرح إمكان أن يكون الحكم الذاتي وسيلة للتقدم الى أمام، وحصل اجتماع عالي المستوى بين الطرفين لمناقشة ذلك، قبل سنوات من الآن، لكنها لم تكن فكرة مقبولة للجميع، وإن نظر إليها آخرون على أنها صائبة».
وزاد: «من المهم الملاحظة أن مجلس الأمن كرر أن أي حل يجب أن يكون من خلال التوافق المتبادل (بين الطرفين). لكن ذلك لم يكن كافياً. فالمغرب قدّم العام الماضي اقتراحاً مثيراً جداً للاهتمام يقضي بمنح الصحراويين درجة عالية من الحكم الذاتي، لكن «بوليساريو» رفضته وأصرّت على أن الاستقلال يجب أيضاً أن يكون أحد الخيارات المتداولة. غير أن الذي حصل الآن هو أن السيد فان فالسوم أخذ خطوة شجاعة من خلال قوله إنه لا يعتقد أن ذلك واقعي، وقوله إن هناك قوى أساسية قد تكون مرتاحة نتيجة استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه. ولأسباب وجيهة، لا أعتقد أن استمرار الوضع الراهن يمكن القبول به، لا أعتقد أنه صائب. لا يمكن أن يبقى سكان تلك المنطقة محرومين من إمكانات التقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي يتحقق فقط مع تسوية هذه القضية التي تعيق تطور الاتحاد المغاربي، وتؤثر (سلباً) في شكل جذري في العلاقات بين المغرب والجزائر».
وهل يعتقد أن بان كي مون ليس بالضرورة على اختلاف مع أفكار موفده الخاص فان فالسوم، بل هما «يغنيان من الأغنية نفسها»؟ أجاب جونسون: «نعم، أعتقد ذلك، من تجربتي الشخصية من خلال عملي في مهمة شبيهة بمهمة فان فالسوم، ولكن مع أمين عام مختلف. إذا كنت تمثّل الأمين العام، فإنك لا تأخذ موقفاً مختلفاً جذرياً عن موقفه. وظيفتك هي أن تمثّله. وأحياناً يمكن أن يسمح الأمين العام لموفده بأن يذهب أبعد مما يمكن أن يفعله هو، من أجل «جس النبض». ولكن هذا الأمر يدخل في إطار العملية الديبلوماسية ذاتها. لستُ السيد فان فالسوم ولستُ السيد بان كي مون، لكنني أشكك جداً في أن هناك اختلافاً حقيقياً بينهما، بل إنني متأكد أن السيد بان كي مون سمح لفان فالسوم بهامش من حرية الحركة كي يستشعر هل هذا الاقتراح يمثّل الطريق إلى أمام».
وأشار جونسون إلى إشادة دول غربية، خصوصاً الولايات المتحدة، بأفكار فان فالسوم، وقال: «كأنهم (الدول الغربية) يقولون: دعونا نقبل حقيقة أن الاستقلال لا يمكن تحقيقه، ولذلك لا بد من طرح أفكار بديلة بدلا من أن نتوقف في مكاننا ونجعل من هذه العقبة عائقاً أمام مزيد من المفاوضات. لقد حصلت أربع جولات من المفاوضات في مانهاست حتى الآن، لكنها لم تؤد إلى أي تقدم، بحسب ما أعرف. الذي حصل هو أن كل طرف حدد موقفه. المغرب قدّم موقفه الخاص بخطة الحكم الذاتي وقال إن هذا الأمر هو ما نريد أن نتكلم عنه، و «بوليساريو» قالت: سنتكلم في هذا الخيار، ولكن الاستقلال يجب أن يكون أيضاً أحد الخيارات. فرد المغرب بأنه لن يبحث في خيار الاستقلال. والذي يحصل أن كل طرف كان يعيد تكرار تحديد موقفه. أحياناً تكرار الفكرة لا يدفع بالأمور الى أمام بل يُغرقك أكثر في مكانك. والذي حصل الآن هو أن مجلس الأمن ناقش الأمر بشيء من الحدة على مدى ست ساعات تقريباً (في جلسته الأخيرة عن الصحراء) وخرج من الجلسة بموقف مهم، إذ قال: لقد جربنا ذلك (الخيارات التي كانت متداولة)، ولم نصل إلى نتيجة. نريد حلاً من أجل مصلحة سكان المنطقة، ومن أجل مصلحة أشمل، فالقوى الغربية واعية لمخاطر مرتبطة بقضية الصحراء، من الإرهاب إلى الهجرة غير الشرعية».
وقيل له: من خلال تجربتك، هل يحق لفان فالسوم أن يأخذ موقفاً داعماً لطرف دون الآخر إذا كان وسيطاً بينهما؟
فرد: «خلال الوقت الذي قضيته هناك، حاولت دائماً أن أبلور موقفاً يمكن أن يقبله الطرفان، إذ ليست عندنا القدرة على فرض موقفنا عليهما. ولكن في خلال عملية بلورة الحل، قد أُغضب طرفاً فيقول لي إنه لا يريد أي علاقة له بي، ويتهمني بأنني منحاز، وأحياناً أخرى يقول الطرف الآخر الأمر نفسه عني ويتهمني بأنني منحاز. هذا الوضع لا يمكن سوى أن يحصل (للوسيط). سيأتي وقت تُغضب فيه هذا الطرف أو ذاك. ولكن إذا كنت تريد تحريك الأمور، فإن ذلك لا بد وأن يحصل».
وسُئل هل يعتقد أن مفتاح حل أزمة الصحراء مع الصحراويين أم الجزائريين، كما يقول المغاربة؟ فأجاب: «تقيم «بوليساريو» على أرض الجزائر، وأعتقد أن ذلك قد يكون كافياً للإجابة عن السؤال. بكلام آخر، يمكن للجزائريين أن يجعلوا الأمر مستحيلاً أو غير مستحيل على الصحراويين، كما يشاؤون. الصحراويون هم من يتكلم في شأن قضيتهم ويناضل من أجلها، ولكن من دون مواصلة الجزائر تضامنها مع موقفهم فإنه لا يكون هناك داعم حقيقي لهم».
لندن - كميل الطويل
الحياة - 04/05/08
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire