فاطمة الغالية الركيببي
f_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1871 - 2007 / 3 / 31
يعيش العالم على إيقاع حملة دبلوماسية مغاربية مكثفة بشأن قضية نزاع الصحراء الغربية لا تخلو من متناقضات. وبينما يشرح المغرب في حملته التشاورية مبادرته لحل النزاع بشكل نهائي وعادل، استجابة لإلحاح المنتظم الدولي وهيئة الأمم المتحدة، تحشر الجزائر الشقيقة نفسها في القضية، مستخدمة كل ثقلها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وكأنها طرف معني بمستوى ما هو معني كل من المغرب والبوليساريو، في وقت لا تنفك فيه تردد العكس، مؤكدة أن ليس لها ما تطالب به ولا ما تقدمه في هذه القضية.
وبالموازاة للجزائر، يقود البوليساريو حملته الدبلوماسية، متعقبا أثر الجولات المغربية الموسعة عبر أوروبا وآسيا والأمريكتين وافريقيا. غير أنه لا يخفى على الملاحظين أن حملتي العرقلة التي تشنها البوليساريو والجزائر اكتفتا بالتحرك في هامش رد الفعل على المبادرة المغربية.
وتبدو الحملة المغاربية الجارية الآن بالفعل غير مسبوقة، لكن بوجود فارق جوهري بين أطرافها الثلاثة، فإنها تحسب لصالح المغرب. وهذا الفارق ليس إلا مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي لفت انتباه مجتمع دولي أعياه نزاع الصحراء المتجمد في نقطة الصفر منذ عقود، منبها إياه إلى وجود معالجة جديدة وجيدة للقضية يجب عدم إهدارها.
وترى المواقف الدولية اليوم في المقترح المغربي القاضي يمنح الصحراويين حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية أملا جديدا للتوفيق بين الأطراف المعنية، وسبيلا يسمح بواقعية التفاوض والوصول إلى تفاهم نهائي يضع حدا لمأساة الصحراويين المحرومين من العودة إلى وطنهم في مخيمات تندوف في الجزائر.
وفي كل الأحوال، لا يمنع التعامل الإيجابي مع المبادرة المغربية من طرح مختلف الأسئلة حول جدية المغرب والتزامه بما يقتضيه مشروعه الجريء من منح صلاحيات واسعة للسكان الصحراويين لتدبير شؤونهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومدى استعداده لاستيعاب تجربة سياسية غير مسبوقة في شمال افريقيا والعالم العربي، تجربة مرشحة لفتح باب المطالبة بتمكين مناطق أخرى في المغرب من الحكم الذاتي، وربما من شأنها أيضا أن تفتح بابا آخر لانتقال عدوى المطالبة بنفس الشيء في المنطقة المغاربية.
ويتضمن مقال " الحكم الذاتي بين الحقيقة والمؤامرة" المنشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 19 مارس 2007 أسئلة من هذا النوع، وهي أسئلة مشروعة بالتأكيد، لها إجاباتها، رغم أن بعضها مغرض بشكل واضح لا يستوجب الوقوف عندها، حفاظا على نجاعة النقاش.
* الخصم الحكم
أول تساؤل يطرحه المقال يتعلق بمدى إمكانية أن يمثل المغرب" حكما وخصما في نفس الوقت،اعتبارا لكون الطرح جاء من جانب واحد؟"
إن الجمع بين الصفتين ممكن جدا، إذا تحلى أحد الخصمين بالحكمة والتعقل وبعد النظر واحترام الخصم الذي يواجهه، وهذه حالة المغرب الذي قدم حلا تجتمع فيه كل مقومات فك الانسداد القائم في النزاع على الصحراء.
وإذا كان طرح المغرب هو طرح من جانب واحد، فلأن الطرف الآخر تخلى عن المساهمة في إيجاد حل، واستكان لواقع الحال المأزوم الذي اعترف المنتظم الدولي بعدم إمكان الاستمرار فيه.
وقد قام المغرب بمبادرة شجاعة، قدم فيها تنازلات، قامت على أساس طرح معادلة متوازنة للخروج من المأزق بدون غالب أو مغلوب، على أساس أن يحافظ فيها على وحدته الترابية وسيادته.
* بيكر 1 وبيكر 2
يتساءل المقال عمن " أفشل أكثر من مخطط ومشروع عمل كان نتيجة جهد وثمرة مفاوضات طويلة، آخرها مخطط بيكر الذي منح المغرب حكما ذاتيا لمدة خمس سنوات وإمكانيات كبيرة مع نسبة 65 في المائة من الهيئة الناخبة لحسابه؟"
قد يكون غاب عن كاتب المقال أن المغرب لم يأل جهدا لحل قضية الصحراء منذ كانت تحت الحماية الإسبانية، مرورا بمخطط التسوية لعام 1991 الذي عرقل فيه البوليساريو عملية تحديد هوية الصحراويين، وصولا إلى مخطط بيكر بالطبع. وربما في هذه الحالة تعمد المقال تجاهل التمييز الواجب بالنسبة لهذا المخطط الذي توجد له صيغتان، الأولى صيغة 2001 التي رفضتها البوليساريو والجزائر، ووافق عليها المغرب، والثانية صيغة 2003 التي رفضها المغرب بالفعل وقبلتها البوليساريو والجزائر، مما لا يسمح بالمغالطة والتضليل في هذا الشأن.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المغرب لم يتوقف عند مرحلة مخطط بيكر بصيغتيها معا، بل تجاوزهما، بتنازلات، محاولا إخراج الصحراء الغربية من المأزق، بنفس الطريقة التي تجاوز بها المنتظم الدولي مخطط بيكر 2003 نفسه، لاعتباره حلا غير قابل للتطبيق، وهو ما أكده آخر تقرير للأمم المتحدة في أكتوبر 2006، داعيا أطراف النزاع للبحث عن حل سياسي دائم وعادل، متفاوض بشأنه ومتفق حوله.
* ضمانات الحكم الذاتي
وبالفعل، يحتاج مشروع الحكم الذاتي الموسع المقترح من المغرب إلى " ضمانات دستورية وسياسية ودولية" كما تساءل المقال، خاصة وأنه غير مسبوق في منطقة المغرب العربي.
ورغم أن السؤال يستبق الوقت، لكون مشروع الحكم الذاتي الموسع سيعرض نهاية الشهر المقبل أمام مجلس الأمن، فإن المغرب تعهد بالانفتاح على المقترحات والتعديلات التي قد يتقدم بها البوليساريو خلال النقاش.
كما أن عرض المشروع في الأمم المتحدة يعد ضمانة دولية في حد ذاته، بجانب المحطات الدولية التي شهدت حملة التعريف بالمشروع من قبل المسؤولين المغاربة والمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، المعروف اختصارا باسم الكوركاس (www.corcas.com),
من جانب آخر، فإن الضمانات الدستورية للحكم الذاتي مسالة واردة، ولا تشكل مبعث قلق بالنسبة للمغرب، ولا عائقا أمام خياره التاريخي والشجاع. ولهذا حين يضيف المقال تساؤلا استخفافيا آخر يهم قدرة المغرب على محاكاة دول كإسبانيا أو المانيا، فإن ذلك مما يمكن إدخاله في باب التعجيز العبثي، علما أن مغرب اليوم لا يقف ضد تيار إرساء الديمقراطية في مختلف أرجائه، والدلائل كثيرة، ضمنها استفادته من تجارب الحكم الذاتي الناجحة في العالم المتقدم في صياغة مشروع الحكم الذاتي الموسع، سواء في ألمانيا أو إسبانيا أو إيطاليا أو غيرها من دول الشمال...
علاوة على ذلك، يعد المغرب دولة ذات سيادة ومكانة دولية معترف بها، تعززت بمسلسل التحديث الذي يخوضه بخطوات واثقة منذ أزيد من عقد، وإصلاحات جريئة في مختلف الميادين السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، وليس مقترح الحكم الذاتي الحداثي إلا تأكيدا لمسار ديمقراطي وتنموي لا رجعة فيه، حقق فيه المغرب ريادة مشهود له بها دوليا وإفريقيا وعربيا، وعلى مستوى دول العالم الثالث عموما.
* البلقنة والانقسام
يتساءل المقال عن " قدرة المغرب على التعايش مع تجربة الحكم الذاتي" ارتباطا بكونه " بلدا تتقاسمه الإثنيات وتتوزعه الحساسيات"، غير أن التاريخ يشهد بأن التنوع الإثني للمغرب هو في الأصل مصدر غنى هويته، وقد شكل هذا البعد عبر قرون أحد مقومات الحضارة المغربية وقوتها، وبالتالي، فإن مقومات الانفتاح الكامنة في هذه الهوية المتنوعة لا تسمح فقط بالتعايش مع هذه التجربة، بل تعتبر إحدى ضمانات نجاحها.
وينتقل المقال من هذا العنصر الذي يظنه أحد نقاط ضعف مشروع الحكم الذاتي وتهديدا لاستقرار المغرب، إلى توسيع مجال هذا الادعاء نحو المنطقة المغاربية،علما أن واقع البلقنة والتطاحن في هذه المنطقة إنما فرضته محاولة خلق دويلة إضافية بدون مقومات السيادة الحقيقية، بدعم عسكري ومادي ودبلوماسي من دولة جارة وشقيقة، ما أدى إلى تعطيل تنمية المنطقة ككل، وتسميم الأجواء الإقليمية طيلة ثلاثة عقود رهنت مستقبل الصحراويين المحرومين من حق العودة إلى المغرب في تندوف بالجزائر، ورهنت معها مستقبل المغرب وبقية دول المنطقة.
* المؤامرة المزعومة
أما التشكيك في أن مشروع المغرب " مجرد مؤامرة للالتفاف على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير" كما جاء في المقال، فهو مزايدة لا نفع منها، لأن حق تقرير المصير هو بالذات ما يضمنه الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، عبر حكومة محلية وبرلمان منتخب من الصحراويين وقضاء مستقل لممارسة كافة الحقوق الجماعية والفردية للصحراويين.
ويدعي المقال أن للمغرب هاجسا أولا يتعلق بوجود قضية الصحراء في أجندة تصفية الاستعمار، وهذا تصنيف تاريخي خاطئ، لأن المغرب يعتبر قضية الصحراء استكمالا لوحدته الترابية واسترجاعا لسيادته التي مزقتها عدة قوى استعمارية، فرنسا في الوسط، وإسبانيا في الشمال والجنوب، وإدارة دولية في طنجة.
وقد صفى المعرب الاستعمار في الصحراء مع إسبانيا عام 1975، بفضل المسيرة الخضراء التي شارك فيها المغاربة قاطبة، بمن فيهم الصحراويون. ولم يعد للمغرب من هاجس سوى تسوية نزاع وطني، ليجتمع شمل أغلبية الصحراويين الذين يعيشون تحت السيادة المغربية بالصحراويين الموجودين رغم إرادتهم في مخيمات تندوف بالجزائر، وليعاود التاريخ سيره كما سار عبر قرون تلاحم فيها السلاطين المغاربة والشعب المغربي بمختلف مكوناته، والصحراويون جزء لا يتجزؤون منها.
f_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1871 - 2007 / 3 / 31
يعيش العالم على إيقاع حملة دبلوماسية مغاربية مكثفة بشأن قضية نزاع الصحراء الغربية لا تخلو من متناقضات. وبينما يشرح المغرب في حملته التشاورية مبادرته لحل النزاع بشكل نهائي وعادل، استجابة لإلحاح المنتظم الدولي وهيئة الأمم المتحدة، تحشر الجزائر الشقيقة نفسها في القضية، مستخدمة كل ثقلها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وكأنها طرف معني بمستوى ما هو معني كل من المغرب والبوليساريو، في وقت لا تنفك فيه تردد العكس، مؤكدة أن ليس لها ما تطالب به ولا ما تقدمه في هذه القضية.
وبالموازاة للجزائر، يقود البوليساريو حملته الدبلوماسية، متعقبا أثر الجولات المغربية الموسعة عبر أوروبا وآسيا والأمريكتين وافريقيا. غير أنه لا يخفى على الملاحظين أن حملتي العرقلة التي تشنها البوليساريو والجزائر اكتفتا بالتحرك في هامش رد الفعل على المبادرة المغربية.
وتبدو الحملة المغاربية الجارية الآن بالفعل غير مسبوقة، لكن بوجود فارق جوهري بين أطرافها الثلاثة، فإنها تحسب لصالح المغرب. وهذا الفارق ليس إلا مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي لفت انتباه مجتمع دولي أعياه نزاع الصحراء المتجمد في نقطة الصفر منذ عقود، منبها إياه إلى وجود معالجة جديدة وجيدة للقضية يجب عدم إهدارها.
وترى المواقف الدولية اليوم في المقترح المغربي القاضي يمنح الصحراويين حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية أملا جديدا للتوفيق بين الأطراف المعنية، وسبيلا يسمح بواقعية التفاوض والوصول إلى تفاهم نهائي يضع حدا لمأساة الصحراويين المحرومين من العودة إلى وطنهم في مخيمات تندوف في الجزائر.
وفي كل الأحوال، لا يمنع التعامل الإيجابي مع المبادرة المغربية من طرح مختلف الأسئلة حول جدية المغرب والتزامه بما يقتضيه مشروعه الجريء من منح صلاحيات واسعة للسكان الصحراويين لتدبير شؤونهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومدى استعداده لاستيعاب تجربة سياسية غير مسبوقة في شمال افريقيا والعالم العربي، تجربة مرشحة لفتح باب المطالبة بتمكين مناطق أخرى في المغرب من الحكم الذاتي، وربما من شأنها أيضا أن تفتح بابا آخر لانتقال عدوى المطالبة بنفس الشيء في المنطقة المغاربية.
ويتضمن مقال " الحكم الذاتي بين الحقيقة والمؤامرة" المنشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 19 مارس 2007 أسئلة من هذا النوع، وهي أسئلة مشروعة بالتأكيد، لها إجاباتها، رغم أن بعضها مغرض بشكل واضح لا يستوجب الوقوف عندها، حفاظا على نجاعة النقاش.
* الخصم الحكم
أول تساؤل يطرحه المقال يتعلق بمدى إمكانية أن يمثل المغرب" حكما وخصما في نفس الوقت،اعتبارا لكون الطرح جاء من جانب واحد؟"
إن الجمع بين الصفتين ممكن جدا، إذا تحلى أحد الخصمين بالحكمة والتعقل وبعد النظر واحترام الخصم الذي يواجهه، وهذه حالة المغرب الذي قدم حلا تجتمع فيه كل مقومات فك الانسداد القائم في النزاع على الصحراء.
وإذا كان طرح المغرب هو طرح من جانب واحد، فلأن الطرف الآخر تخلى عن المساهمة في إيجاد حل، واستكان لواقع الحال المأزوم الذي اعترف المنتظم الدولي بعدم إمكان الاستمرار فيه.
وقد قام المغرب بمبادرة شجاعة، قدم فيها تنازلات، قامت على أساس طرح معادلة متوازنة للخروج من المأزق بدون غالب أو مغلوب، على أساس أن يحافظ فيها على وحدته الترابية وسيادته.
* بيكر 1 وبيكر 2
يتساءل المقال عمن " أفشل أكثر من مخطط ومشروع عمل كان نتيجة جهد وثمرة مفاوضات طويلة، آخرها مخطط بيكر الذي منح المغرب حكما ذاتيا لمدة خمس سنوات وإمكانيات كبيرة مع نسبة 65 في المائة من الهيئة الناخبة لحسابه؟"
قد يكون غاب عن كاتب المقال أن المغرب لم يأل جهدا لحل قضية الصحراء منذ كانت تحت الحماية الإسبانية، مرورا بمخطط التسوية لعام 1991 الذي عرقل فيه البوليساريو عملية تحديد هوية الصحراويين، وصولا إلى مخطط بيكر بالطبع. وربما في هذه الحالة تعمد المقال تجاهل التمييز الواجب بالنسبة لهذا المخطط الذي توجد له صيغتان، الأولى صيغة 2001 التي رفضتها البوليساريو والجزائر، ووافق عليها المغرب، والثانية صيغة 2003 التي رفضها المغرب بالفعل وقبلتها البوليساريو والجزائر، مما لا يسمح بالمغالطة والتضليل في هذا الشأن.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المغرب لم يتوقف عند مرحلة مخطط بيكر بصيغتيها معا، بل تجاوزهما، بتنازلات، محاولا إخراج الصحراء الغربية من المأزق، بنفس الطريقة التي تجاوز بها المنتظم الدولي مخطط بيكر 2003 نفسه، لاعتباره حلا غير قابل للتطبيق، وهو ما أكده آخر تقرير للأمم المتحدة في أكتوبر 2006، داعيا أطراف النزاع للبحث عن حل سياسي دائم وعادل، متفاوض بشأنه ومتفق حوله.
* ضمانات الحكم الذاتي
وبالفعل، يحتاج مشروع الحكم الذاتي الموسع المقترح من المغرب إلى " ضمانات دستورية وسياسية ودولية" كما تساءل المقال، خاصة وأنه غير مسبوق في منطقة المغرب العربي.
ورغم أن السؤال يستبق الوقت، لكون مشروع الحكم الذاتي الموسع سيعرض نهاية الشهر المقبل أمام مجلس الأمن، فإن المغرب تعهد بالانفتاح على المقترحات والتعديلات التي قد يتقدم بها البوليساريو خلال النقاش.
كما أن عرض المشروع في الأمم المتحدة يعد ضمانة دولية في حد ذاته، بجانب المحطات الدولية التي شهدت حملة التعريف بالمشروع من قبل المسؤولين المغاربة والمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، المعروف اختصارا باسم الكوركاس (www.corcas.com),
من جانب آخر، فإن الضمانات الدستورية للحكم الذاتي مسالة واردة، ولا تشكل مبعث قلق بالنسبة للمغرب، ولا عائقا أمام خياره التاريخي والشجاع. ولهذا حين يضيف المقال تساؤلا استخفافيا آخر يهم قدرة المغرب على محاكاة دول كإسبانيا أو المانيا، فإن ذلك مما يمكن إدخاله في باب التعجيز العبثي، علما أن مغرب اليوم لا يقف ضد تيار إرساء الديمقراطية في مختلف أرجائه، والدلائل كثيرة، ضمنها استفادته من تجارب الحكم الذاتي الناجحة في العالم المتقدم في صياغة مشروع الحكم الذاتي الموسع، سواء في ألمانيا أو إسبانيا أو إيطاليا أو غيرها من دول الشمال...
علاوة على ذلك، يعد المغرب دولة ذات سيادة ومكانة دولية معترف بها، تعززت بمسلسل التحديث الذي يخوضه بخطوات واثقة منذ أزيد من عقد، وإصلاحات جريئة في مختلف الميادين السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، وليس مقترح الحكم الذاتي الحداثي إلا تأكيدا لمسار ديمقراطي وتنموي لا رجعة فيه، حقق فيه المغرب ريادة مشهود له بها دوليا وإفريقيا وعربيا، وعلى مستوى دول العالم الثالث عموما.
* البلقنة والانقسام
يتساءل المقال عن " قدرة المغرب على التعايش مع تجربة الحكم الذاتي" ارتباطا بكونه " بلدا تتقاسمه الإثنيات وتتوزعه الحساسيات"، غير أن التاريخ يشهد بأن التنوع الإثني للمغرب هو في الأصل مصدر غنى هويته، وقد شكل هذا البعد عبر قرون أحد مقومات الحضارة المغربية وقوتها، وبالتالي، فإن مقومات الانفتاح الكامنة في هذه الهوية المتنوعة لا تسمح فقط بالتعايش مع هذه التجربة، بل تعتبر إحدى ضمانات نجاحها.
وينتقل المقال من هذا العنصر الذي يظنه أحد نقاط ضعف مشروع الحكم الذاتي وتهديدا لاستقرار المغرب، إلى توسيع مجال هذا الادعاء نحو المنطقة المغاربية،علما أن واقع البلقنة والتطاحن في هذه المنطقة إنما فرضته محاولة خلق دويلة إضافية بدون مقومات السيادة الحقيقية، بدعم عسكري ومادي ودبلوماسي من دولة جارة وشقيقة، ما أدى إلى تعطيل تنمية المنطقة ككل، وتسميم الأجواء الإقليمية طيلة ثلاثة عقود رهنت مستقبل الصحراويين المحرومين من حق العودة إلى المغرب في تندوف بالجزائر، ورهنت معها مستقبل المغرب وبقية دول المنطقة.
* المؤامرة المزعومة
أما التشكيك في أن مشروع المغرب " مجرد مؤامرة للالتفاف على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير" كما جاء في المقال، فهو مزايدة لا نفع منها، لأن حق تقرير المصير هو بالذات ما يضمنه الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، عبر حكومة محلية وبرلمان منتخب من الصحراويين وقضاء مستقل لممارسة كافة الحقوق الجماعية والفردية للصحراويين.
ويدعي المقال أن للمغرب هاجسا أولا يتعلق بوجود قضية الصحراء في أجندة تصفية الاستعمار، وهذا تصنيف تاريخي خاطئ، لأن المغرب يعتبر قضية الصحراء استكمالا لوحدته الترابية واسترجاعا لسيادته التي مزقتها عدة قوى استعمارية، فرنسا في الوسط، وإسبانيا في الشمال والجنوب، وإدارة دولية في طنجة.
وقد صفى المعرب الاستعمار في الصحراء مع إسبانيا عام 1975، بفضل المسيرة الخضراء التي شارك فيها المغاربة قاطبة، بمن فيهم الصحراويون. ولم يعد للمغرب من هاجس سوى تسوية نزاع وطني، ليجتمع شمل أغلبية الصحراويين الذين يعيشون تحت السيادة المغربية بالصحراويين الموجودين رغم إرادتهم في مخيمات تندوف بالجزائر، وليعاود التاريخ سيره كما سار عبر قرون تلاحم فيها السلاطين المغاربة والشعب المغربي بمختلف مكوناته، والصحراويون جزء لا يتجزؤون منها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire