فاطمة الغالية الركيبي
F_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1886 - 2007 / 4 / 15
إن فاقد الشيء لا يعطيه، وكيف تعطي جبهة البوليساريو لإخواننا المحرومين من العودة إلى وطنهم في تندوف في الجزائر الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية
وهي نفسها لا تعرف للحرية بأنواعها، تعبيرا وتفكيرا وتنقلا وانتماء... من معنى غير المصادرة؟
الصحراويون في المخيمات محرومون من التنقل، ومحرومون من الهوية، لا هم في وطنهم الأصل، ولا هم في وطن بديل، ولا هم لاجئون، ولا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تعرف لهم طريقا أو هوية أو عددا، لا هم جزائريون فوق الأرض التي استضافت مخيماتهم منذ ثلاثين عاما، ولا هم مغاربة كالمغاربة أجمعين، لا هم قادرون على تقرير مصيرهم والعودة إلى وطنهم، ولا هم قادرون على البقاء حيث هم في صحراء الجزائر القاسية، ليسوا محتجزين لكنهم في واقع الحال أقرب إلى المحتجزين...
كيف تمنح البوليساريو الديمقراطية للصحراويين وهي منظمة غير ديمقراطية؟ منذ ثلاثين عاما وهي منظمة شمولية، لم تؤثر فيها التحولات الدولية وسقوط المعسكر الشرقي، ونهوض المجتمعات الحديثة، البوليساريو لا تستطيع أن تقدم الديمقراطية للشعب الصحراوي، لأنها منظمة شمولية لا تقبل بالتعددية والرأي المخالف، ولم تعرف منذ إنشائها غير الصوت الوحيد، وها هي مؤخرا تضيق الطوق على أول بادرة انشقاق بداخلها ( خط الشهيد)، لأنها تنتقدها وتطالبها بالانفتاح والتوقف عن معاكسة الحل والتفاوض حوله مع المغرب.
وكيف تكون ديمقراطية وقد نادت ولا تزال بأنها الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين، ضاربة عرض الحائط بوجود الصحراويين الذين لا يريدون التفريط في صحرائهم في ظل السيادة المغربية؟ وهم بالمناسبة أغلبية. وكيف تكون ديمقراطية وقد انبثق المجلس الملكي للشؤون الصحراوية ممثلا للقبائل الصحراويين المتشب بمغربيتهم وهي لا تعترف به، بينما يعترف المغاربة والمغرب بأن البوليساريو تيار سياسي معارض لسيادة المغرب على الصحراء، يتشكل من مغاربة صحراويين درسوا في الجامعات المغربية، ونتيجة لأوضاع سياسية خاصة في المغرب خلال السبعينات نادوا بالانفصال، واسسوا جبهتهم في 1973، وتلقفت الجزائر الشقيقة مطالبهم الانفصالية، مانحة إياهم الأرض والمال والعتاد، لكي تسلب منهم في النهاية القدرة على اتخاذ القرار، وتسخرهم لأغراضها من أجل إضعاف المغرب، في سياق دولي عرف تجاذبات الحرب الباردة التي قسمت العالم معسكرين.
والبوليساريو لا تمثل في حقيقة الوضع غير نفسها، وهي تعد ببضع مئات من القياديين والمستفيدين، ولا تمثيلية حقيقية لها على جميع الصحراويين الذين تسيطر عليهم في تندوف، منذ وقعوا في الفخ نهاية العام 1975 وعددهم لا يتجاوز أربعين ألفا، من أصل ثلاثمائة ألف صحراوي تقريبا اختاروا المغرب دولتهم منذ تاريخ سابق بمئات السنين سبعينات القرن العشرين.
وصحراويو مخيمات تندوف الذين مهدت البوليساريو لنقلهم للإقامة فوق الأرض الجزائرية ونفذت خطتها نهاية العام 1975، سقطوا في فخ الأكذوبة، وأصبحوا تحت السيطرة العسكرية والأمنية لتحالف الجبهة والجزائر عسكريا وأمنيا، وما عاد بإمكانهم العودة إلى الوطن إلا فرارا، وقد نجح منهم سبعة آلاف منذ دعاهم المغرب للعودة بداية الثمانينات، متسامحا إزاء إعلانهم العصيان المسلح ضده، في وقت تحبط البوليساريو محاولات عديدة لمئات آخرين اكتشفوا أكذوبة الوطن الصحراوي المستقل، وتعبوا من تحمل الذل والحياة غير الإنسلانية في المخيمات.
كيف تمنح البوليساريو الكرامة للصحراويين في المخيمات، وهي تستجدي بمأساتهم العطف الدولي، وتقايض بهم العالم وكأنهم أصول تجارية قابلة للمساومة والمقايضة، ثم تحول المساعدات الإنسانية الموجهة إليهم لخدمة أهداف غير إنسانية، لا يستفيد منها سوى حفنة من عناصر البوليساريو، بينما يعيش آلاف آخرون تحت رحمة ما يتبقى منها بعد استغلالها في أغراض سياسية وعسكرية وشخصية، وبهذه الحال شاط الخير بكري على زعير...
المساعدات الإنسانية في شكل بضائع ومواد غذائية وتجهيزات منزلية ومدرسية وغيرها تباع علنا في الأسواق الجزائرية وأسواق تندوف وأسواق مالي وموريتانيا بأسعار السوق، والأموال الموجهة للنهوض بأوضاع المحاصرين في المخيمات تستغل لتمويل الاستعراضات العسكرية والاستقبالات المناسباتية والدعائية والشخصية، وقد ترك الصحراويون يواجهون الجوع والحرمان وحيدين في المخيمات، تحت القمع العسكري، بينما طارت حفنة البوليساريو المسيطرة عليهم نحو تيفارتي في فبراير الماضي لتبذير المساعدات بعيدا عن المنتفضين في احتفالات وهمية للذكرى 31 لتأسيس ما يسمى ب" الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".
كيف تمنح البوليساريو الديمقراطية وهي تقمع الانتفاضات الشعبية في المخيمات حتى لا يعرف العالم حجم المعاناة والحرمان التي تطوق العائلات الصحراوية، شبابا وشيوخا نساء ورجالا وأطفالا. كيف تمنح الديمقراطية وقد أنشأت دولة وهمية بدون مؤسسات حقيقية أو انتخابات ودون استفتاء رأي الصحراويين، في تندوف أو في المغرب، ودون أرض، ودون اعتراف أممي أو دولي، باستثناء اعتراف عربي يتيم تمثله دولة الجزائر الشقيقة، وحتى الأشقاء الأفارقة أكثر من ثلثيهم لا يعترفون بالدولة الموهومة، وليس هناك اعترافا واحدا من أوروبا وأمريكا وآسيا وأستراليا، ولا اعتراف هناك من قبل الهيئات الدولية الكبرى، لا الاتحاد الأوروبي ولا البرلمان الأوروبي، ولا جامعة الدول العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي ولا منظمة الأمم المتحدة... لا اعتراف بدولة وهمية تسمي نفسها جمهورية عربية ديمقراطية صحراوية في الصحراء الغربية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire