11 juin, 2007

البوليساريو وعنف الجامعات المغربية

فاطمة الغالية الركيبي
09--06-2007
أخلى النضال الطلابي الناضج الذي ارتبط بالقضايا الكبرى للوطن، سياسية ونقابية واجتماعية وفكرية وفلسفية وغيرها، الحرم الجامعي في السنوات الأخيرة ل"نضال بدائي" تطور فقط في نوعية الأسلحة من حيث استخدام القنينات الحارقة والبنزين، بجانب المناجل والساطورات والخناجر والسلاسل الحديدية والحجارة.. وتمرغت ساحة النقاش والحوار في صراعات قبلية وإثنية، غايتها الظاهرة التصفية الجسدية التي غطت بدماء القتلى والجرحى في حالة خطيرة على الصراعات السابقة التي عاشتها ساحة النقاش الجامعية عبر مختلف مراحلها التاريخية بدون أن تصل هذا الحد من قبل.
لقد احتضنت الجامعات المغربية منذ إنشائها نضالات مشرفة سجلها تاريخ الحركة الطلابية، برغم أن اللجوء إلى العنف كان مسألة شبه ثابتة عندما يفشل الحوار وتتداخل المصالح. وشهدت فترة نهاية الخمسينات والستينات هيمنة البعد الوطني والديمقراطي، ارتباطا بمرحلة الاستقلال وبداية تشكيل أسس الدولة الحديثة الديمقراطية. وتماشيا مع تطورات الحياة السياسية في فترة المخاض العسيرة تلك، لبس نضال الحركة الطلابية خلال نهاية الستينات والسبعينات لبوس الصراع الفكري والإيديولوجي، ثم شهدت الحركة الطلابية خلال الثمانينات والتسعينات الصراع الديني الذي جاء في سياق تراجع الفكر اليساري وسقوط المعسكر الشرقي، ثم أخيرا، مع كسر شوكة الهيمنة الدينية داخل الجامعة المغربية نهاية التسعينات، تحول الصراع الطلابي إلى ما هو عليه اليوم، صراعا قبليا إثنيا، لا يبشر سوى بالتمزق والموت والجهل.
في هذا الصراع الجديد الذي دشن بداية الألفية الثانية، بإمكان القضايا الطلابية "الكبرى" أن تكون أي شيء، أو آخر ما يمكن أن يعقله عقل، مثلا، النضال من أجل جعل ممارسة الغش في الامتحانات "حقا " يتمتع به الطلبة بدون استثناء، و"مكسبا طلابيا" يصم بطبيعة الحال جبين نضال الحركة الطلابية بالعار.
إن أحداث المواجهة الدموية التي اندلعت في جامعة أكادير بين فصائل الطلاب من أمازيغيين وصحراويين وقاعديين
( التيار الماركسي الممثل في النهج الديمقراطي) واستدعت تدخل قوات الأمن كان وراءها وقوع حادثة توقيف طالب مغربي متلبسا بالغش أثناء اجتياز الامتحانات ، ومحاولة زملاء له استنفار وتعبئة جميع طلبة كلية ابن زهر من أجل مقاطعة الامتحانات حتى ترجع الإدارة عن قرار الطرد الذي تتخذه عادة في مثل هذه الحالات. هذا إذن هو مستوى النضال الطلابي الراهن الذي نجم عنه انتشار بقعة الزيت نحو جامعات أخر " ناضلت" تضامنا مع فصيل من الطلبة " المتضامن" مع طالب غشاش تتبرأ من فعلته أي مؤسسة تعليمية، فأحرى أن تكون جامعية.
وكأن الفعل الطبيعي هو أن يغش الطالب أثناء الامتحان، وأن تبارك الإدارة فعلته، وربما كان المطلوب منها الاحتفال بالحدث من أجل تكريسه ك"تقليد جامعي عريق" للأجيال اللاحقة.. إن مجرد افتراض إمكان قيادة نضالات طلابية من هذا القبيل ومن هذا الحجم الدموي القاتل من أجل، أو بسبب حادثة غش "عادية"، لأمر خطير وعسير على الاستيعاب والتقبل والفهم. غير أن الأمور تتضح شيئا فشيئا بمعرفة خلفية الحاثة، ومن هو الطالب " الضحية"، ومن هم رفاقه في درب النضال من أجل "جامعة حرة في الغش"... فالطالب ورفاقه ينحدرون من الأقاليم الجنوبية، وهم يتخندقون في خانة الطلبة الصحراويين المتعاطفين مع البوليساريو ( تضم الجامعات المغربية حوالي ربع مليون طالب، آلاف مؤلفة منهم طلبة صحراويين غير متعاطفين مع التوجه الانفصالي).
ولا يكفي هذا المعطى لتبديد الظلال القاتمة المحيطة بهذا التردي في النزوع النضالية، لذلك نعود للقول إن عدم تقبل العقل هذا الأمر ناتج عن كون حادث التضامن مع الطالب الصحراوي المطرود ( بسبب الغش) جزء فقط من الدوافع التي يعكسها هذا التردي، أما بقية الحقيقة التي يمكن أن يقبلها العقل، فتكمن في أن الحادثة في واقع الأمر لا تستدعي تصعيد نضال من أي نوع كان، فأحرى أن يشمل مقاطعة الدراسة والامتحانات بشكل جماعي، أو السقوط في مواجهات دامية بين الطلاب، مما يؤكد أنه تم توظيف حادثة طرد الطالب ( إن افترضنا أن محاولة الغش الفاشلة لم تختلق بنية كشفها في حالة تلبس) من أجل أهداف تتجاوز الساحة الطلابية، وتسعى إلى لفت الانتباه. وأدى اعتراض طلبة آخرين من فصيل الأمازيغيين على دعوة الطلبة الصحراويين للمقاطعة إلى نشوب المواجهات العنيفة.
يتشاطر الفصيلان الأمازيغي والصحراوي نفس الطموح بشأن تقرير المصير، لكن بتصورات مختلفة، الطلاب الأمازيغيون، خاصة منهم القادمون من منطقة الريف، يطالبون بدورهم بحكم ذاتي تحت السيادة المغربية، والطلبة الصحراويون الانفصاليون يطالبون بالاستقلال عن المغرب. قبل هذه المواجهات كانت العلاقات طيبة بين الفصيلين، لكن النعرات القبلية والإثنية طفت خلال الفترة الأخيرة، حين أعلن فصيل الأمازيغ معارضته لتقديم البوليساريو الإثنية العربية في ما تسميه بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتصاعد الاستفزاز المضاد من قبل الطلبة الصحراويين بتسفيههم سقف الطموح السياسي للطلبة الأمازيغ. وبدأت هذه الاستفزازت قبل اندلاع المواجهات العامة الأخيرة، وذلك في شهر أبريل في تازة، لدى احتفال الطلبة الأمازيغ بالذكرى 27 بما يسمى "ثورة الأمازيغ" في الجزائر. أما الفصيل الماركسي التابع للنهج الديمقراطي،فيتعاطف مع الطلبة الصحراويين، ما وسع دائرة المواجهة الطلابية، وزاد النار حطبا.
روجت أجهزة البوليساريو لأحداث الجامعات بطريقتها المعروفة، عبر الضغط على وتر انتهاك حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن المغربية في سياق احتفالاتها السنوية من جهة، وعلى خلفية الإعداد للمفاوضات بينها وبين المغرب.
وامتلأ الخطاب الحقوقي والإعلامي المروج له في الفضاءات التقليدية المحسوبة على البوليساريو بكثير من المغالطات التي لا مجال لنفي وجود بعض الحقيقة فيها، وتم تداول ما حصل لضحايا المواجهات على أنه نتيجة الصدام مع قوات الأمن المغربية واستخدامها للعنف المفرط، في حين أن المواجهات كانت طلابية، والتدخل الأمني كان جزء منه هدفه احتواء المتصارعين، وجزء منه قام بتفريق المظاهرات غير المرخص لها خارج الحرم الجامعي والتي كانت تمس مقدسات الدولة المغربية، والتي قد يكون بالفعل حصل فيها نوع من استخدام العنف، دون أن نغفل حدوث إصابات في صفوف الأمن نفسها، ولهذا يظهر جليا التوريط " شبه المجاني" لقوات الأمن، الهادف لتسويق الأحداث بحلة التعرض لقمع " دولة محتلة" في هذا الظرف الحساس من مسار نزاع الصحراء الغربية.
تجدر الإشارة إلى أن انكشاف لعبة استثارة المواجهات مع قوات الأمن أدى إلى تصعيد استفزازات ثلة من المتظاهرين، من جهة، وفي إحدى الحالات الدالة، كان الطلبة الصحراويون يخوضون اعتصاما مفتوحا في الحي الجامعي بالرباط في 14 ماي " تضامنا مع زملائهم في الدار البيضاء ومراكش وأكادير"، وكانوا ينامون في العراء " زيادة في التضامن الاستفزازي". وقد دام اعتصامهم حوالي اسبوع دون أن تتدخل السلطات التي باشرت عملها بإخلائهم من المكان بعد أيام. هناك مصادر تقول إن طلبة من المعتصمين قاموا برشق الأمن بالحجارة لاستفزازهم، وهو ما حصل، ولكن هذا لا يهمنا كثيرا، لأن استمرار الاعتصام طيلة نلك المدة دليل على زيف ما تروج له البوليساريو في الخارج. كما يظهر من جانب آخر ما تمتنع الجبهة عن إظهاره للخارج، وهو أن الطلبة الصحراويين والمتعاطفين معها في الداخل يتمتعون بحريات واسعة بالنسبة لطرف يهدد استقرار دولة ووحدتها الترابية.
الملاحظة الأساسية هي أن الطلبة الصحراويين المتعاطفين مع البوليساريو بدؤوا يتحركون بهذا الأسلوب خلال السنوات الأخيرة، خاصة لدى اقتراب مناسبات البوليساريو للاحتفال بذكرى التأسيس أو بذكرى أحداث ماي، أو ما يسمونه ب"انتفاضة ماي". و تعتمد هذه الاستفزازات على تحريك الجبهة عناصر بوليساريو الداخل، وهم بعض الصحراويين المقيمين في المغرب، وضمنهم طلبة الجامعات، لاصطناع أحداث ومواجهات مع السلطات المغربية للفت الانتباه إليها، بعدما تراجع صيتها الدولي منذ اتفاق الهدنة الذي تزامن مع سقوط المعسكر الشرقي عام 1991.
لقد مرت أحداث الجامعات المؤلمة بتنديد شعبي واسع، وتناسلت مواقف التنديد الصادرة من مختلف التنظيمات الطلابية والحقوقية والمدنية والأكاديمية والحزبية والرسمية المغربية بشأن العنف المدمر الذي شل الجامعات على مشارف الامتحانات السنوية، لكن البوليساريو لعبت ورقتها الإعلامية والحقوقية في أوساط المعاقل المتعاطفة معها، لتظهر المغرب عدوا لأبنائه الصحراويين . لكن لا باس أن نكرر ما كتبناه في المقال السابق أن عدم الالتفات إلى مواقف تندد بالعنف أيا كان نوعه وصاحبه "عيب" شبه كامن في الهيئات المشتغلة في مجال حقوق الإنسان،لأنها تبحث دائما عن الوجه السلبي لواقع حقوق الإنسان، فهو ما يمنحها سببا للوجود
.