17 mai, 2007

حرب التأويلات حول قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية


فاطمة الغالية الركيبي
f_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1905 - 2007 / 5 / 4


بينما كان مجلس الأمن يتدارس الوضع في الصحراء الغربية الأسبوع الماضي لاستصدار قراره بعد التصويت عليه، كانت جبهة البوليساريو والجزائر الشقيقة تنسجان خطة تضليل إعلامي قوية، خاصة مع تأخر صدور القرار بشكل غير مألوف عن السابق، للتأثير على الرأي العام الدولي، وربما أيضا التأثير على ما كان يجري من نقاشات بداخل المجلس.

وإلى حدود صدور القرار رقم 1754 متأخرا مساء الاثنين، بسبب احتداد النقاش بشكل غير مسبوق، كانت الآلة الإعلامية والدبلوماسية هذه لا تزال تروج لأخبار كاذبة عن نجاح البوليساريو وأصدقائها في إقناع أعضاء مجلس الأمن بعدم صلاحية المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، حتى لا تتم الإشارة إليها بإيجابية، أو بشكل يجعلها ذات أسبقية على مقترح البوليساريو الذي ولد في الوقت الميت مفاجئا العالم بمولده لا بمضامينه.

وبدون مراعاة لسرية النقاشات الدائرة داخل مجلس الأمن، كانت الجبهة والجزائر تصدران "قرارهما" الخاص بشأن قضية الصحراء، قبل انتهاء أعضاء المجلس أنفسهم من إجراءات النقاش والتصويت. وذكر "القرار الأممي" المنجز من قبل البوليساريو وأنصارها أن أعضاء مجلس الأمن اتفقوا بالإجماع على وضع المبادرتين المغربية والبوليسارية في نفس المرتبة، بعد أن أجروا تعديلا محوريا في نص مشروع القرار قضى بحذف فقرة كانت تنوه بالمبادرة المغربية، كما ضم " القرار" إياه ما يفيد أن النزاع يهم تصفية الاستعمار.

وتبادل الحليفان التهاني لتحقيق هذا الانتصار الموهوم، وزايدت الجزائر من جانبها بأن قالت إن القرار يحتوى على فقرة تشير إلى وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، أي اتهام المغرب بانتهاكها في الصحراء الغربية.

وفي نفس الوقت، سبقت الجزائر قيادات الجبهة عبر ممثل البوليساريو في الجزائر، الحامل صفة سفير لما يسمى جمهورية الصحراء العربية الديمقراطية التي لا وجود لها بالنسبة للأمم المتحدة ومعظم دول العالم، للإعلان بأن البوليساريو مستعدة للمفاوضات مع المغرب، ما يؤكد مرة أخرى أن الجزائر هي من تقود حركة البوليساريو وتحدد مواقفها، وهي من كانت تقف وراء استباق المغرب لتسليم مبادرته للأمين العام للأمم المتحدة، حيث أشهرت المقترح اللقيط المكرر للمطالب القديمة مكتوبا باللغة الفرنسية التي هي لغة الجزائر الرسمية الثانية، حسب مصادر عليا بداخل الأمم المتحدة اطلعت على الوثيقة الأصلية، وليست لغة البوليساريو التي تستخدم اللغة الإسبانية والإنجليزية والعربية.

وتعكس مختلف هذه التصريحات والمناورات في واقع الأمر وقوع جبهة البوليساريو والجزائر في ارتباك كبير، خلال الوقت القصير- الطويل الذي سبق التصويت على القرار 1754، لأن موازين القوى كانت تميل في الاتجاه الذي لا ترغبان فيه، خاصة مع دفاع قوي عن المبادرة المغربية من قبل فرنسا والولايات المتحدة، وإسبانيا التي حاولت الجزائر الضغط عليها برفع سعر الغاز بنسبة 10 في المائة أخيرا، حتى إن وزير الخارجية الإسبانية خرج في آخر تصريح له عن طوره وقال " إننا لسنا ملزمون بدعم البوليساريو ضد المغرب" ؟؟؟

وكاد القرار أن يحذف في صيغته النهائية الإشارة إلى مقترح البوليساريو الذي كان فاقدا للمصداقية والجدية، ثم تم الاكتفاء بالإشارة له في شكل إدانة لمحتواه المغرض والفارغ. وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1754 مصوتا عليه بالإجماع وانكشاف الأكاذيب التي زادت من حرج موقف البوليساريو والجزائر، انطلقت حملة تأويل وكذب أخرى، أو لعلها حملة مداراة الحرج والارتباك ومحاولة حفظ ماء الوجه أمام العالم، وخاصة أمام الذين تخشى أن يتحول دعمهم إلى البحث عن المخرج للمأزق السياسي والإنساني العالق في الصحراء الغربية.

وقد ظهر للبوليساريو أنه من الأفضل أن تبدي ارتياحها للقرار نفسه الذي عبرت عن خيبتها العميقة اتجاهه في وقت سابق وهي في قلب مجلس الأمن على لسان مساندتها جنوب افريقيا، فقد تضمن القرار عبارة طوق النجاة " تقرير المصير" لتواصل عبرها تأويلاتها المجانبة للصواب، وتعلن أن القرار أكد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، هذا الحق الذي لا ينكره المغرب على مواطنيه الصحراويين في مقترح الحكم الذاتي كما هو منصوص عليه في أعراف ومقتضيات الشرعية الدولية.

لكن البوليساريو أولت العبارة بما يفيد أن إحقاق حق تقرير المصير يمر عبر استفتاء، وانطلقت تردد أن الاستفتاء الذي لم يذكر القرار شيئا بخصوصه هو الحل، وأن ذلك يعد انتصارا ضخما لمطالبها. وقد تعمدت تجاهل تشطيب القرار 1754 على مخطط بيكر الثاني الذي كان يتضمن تقرير المصير بشأن الاندماج أو الاستقلال عن المغرب عبر استفتاء يجرى بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

علاوة على ذلك، تغاضت البوليساريو عن مجرد قراءة ما هو مسطر في القرار بشأن المبادرة المغربية من حيث أنها تتسم بالجدية والمصداقية، وزادت من عندها أن القرار وضع المقترحين على قدم المساواة. وهل من مساواة في موقف دولي أممي ينوه ويرحب بالمقترح المغربي ويصفه بالجاد والموثوق به، والقادر على المضي قدما بالقضية نحو التسوية، مقابل مجرد الإشارة إلى وجود مقترح البوليساريو؟.. فقط لأنه موجود ولو دون معنى أو إضافة؟ أو لأنه موجود ليس لذاته، بل لغاية التشويش وعرقلة اعتماد المخطط المغربي

أما الجزائر الشقيقة، فعبرت هي الأخرى عن ارتياحها إزاء القرار، وزادت من عندها مبررة دواعي ارتياحها ( ترتاح كثيرا إلى التأويلات طبعا بدل النظر مباشرة إلى الحقائق والوقائع) بأن القرار يؤكد الموقف الثابت الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة بالنظر إلى مقتضيات تصفية الاستعمار، بالرغم من أن القرار الأممي لم يأت على ذكر تصفية الاستعمار، ليس في هذا القرار وحسب، بل في جميع قراراته وتقارير الأمم المتحدة بشكل عام.

ولا باس أن نزيد من عندنا تأويلا نساعد به البوليساريو والجزائر على مهمة التأويلات الشاقة لخروجها عن النص والعقل، ونؤول الفقرة التي يتجاهلها الطرفان تماما في البند الثاني وتربط انطلاق المفاوضات المباشرة غير المشروطة ب" الأخذ في الحسبان التطورات الحاصلة على مدار الشهور الأخيرة، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، بما يكفل لشعب الصحراء الغربية الحق في تقرير مصيره" ونؤول شرط "الأخذ في الحسبان التطورات الأخيرة " على أنه إشارة إلى الحملة الدبلوماسية المضادة التي قادتها الجبهة والجزائر متعقبة أثر الحملة المغربية الناجحة، للتشويش عليها وعلى الترحيب والمباركة اللذان لاقتهما، فقط من أجل أن تؤكدا أنهما غير قادرتان على إبداع الحل للمأزق سوى في حدود الرفض القاطع للمقترح المغربي دون أدنى بديل شجاع.

وبهذه التأويلات، أصبح القرار 1754 متناقضا في مقتضياته، فهو يعني أن البوليساريو ستنشأ جمهوريتها الموهومة على أساس استفتاء تقرير المصير يؤدي حتما إلى الاستقلال، وفي نفس الوقت يزكي بالإجماع مبادرة المغرب " المحتل" وينوه بها على أساس أنها " مبادرة جادة وذات مصداقية وتسير بالنزاع قدما نحو التسوية بتأكيد احتلال المنطقة"؟؟؟؟

وبينما تجري الآن ترتيبات الإعداد لإجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب والبوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة، فإن المقترح المغربي للحكم الذاتي الموسع في الصحراء المفتوح على اقتراحات وتعديلات البوليساريو يشكل الحل الأمثل للنزاع، لأنه على اساسي توافقي، لا هو استقلال كامل عن المغرب ولا هو اندماج كلي فيه. ويزكي القرار الأممي الأخير الحل الوسط في تنويهه " بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية"، ودعوته أطراف النزاع للمفاوضات،" مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات" التي حققها المغرب في نزاع كان متجمدا بفضل المشاورات التي تمت وطنيا وصحراويا ودوليا لإعداد مقترح الحكم الذاتي وصياغته بالشكل الذي يضمن للصحراويين تقرير مصيرهم توافقيا، ويمنح المتنازعين وضعا لا غالب ولا مغلوب
.

البوليساريو والديموقراطية في الصحراء الغربية...فاقد الشيء لا يعطيه


فاطمة الغالية الركيبي
F_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1886 - 2007 / 4 / 15

إن فاقد الشيء لا يعطيه، وكيف تعطي جبهة البوليساريو لإخواننا المحرومين من العودة إلى وطنهم في تندوف في الجزائر الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية
وهي نفسها لا تعرف للحرية بأنواعها، تعبيرا وتفكيرا وتنقلا وانتماء... من معنى غير المصادرة؟

الصحراويون في المخيمات محرومون من التنقل، ومحرومون من الهوية، لا هم في وطنهم الأصل، ولا هم في وطن بديل، ولا هم لاجئون، ولا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تعرف لهم طريقا أو هوية أو عددا، لا هم جزائريون فوق الأرض التي استضافت مخيماتهم منذ ثلاثين عاما، ولا هم مغاربة كالمغاربة أجمعين، لا هم قادرون على تقرير مصيرهم والعودة إلى وطنهم، ولا هم قادرون على البقاء حيث هم في صحراء الجزائر القاسية، ليسوا محتجزين لكنهم في واقع الحال أقرب إلى المحتجزين...

كيف تمنح البوليساريو الديمقراطية للصحراويين وهي منظمة غير ديمقراطية؟ منذ ثلاثين عاما وهي منظمة شمولية، لم تؤثر فيها التحولات الدولية وسقوط المعسكر الشرقي، ونهوض المجتمعات الحديثة، البوليساريو لا تستطيع أن تقدم الديمقراطية للشعب الصحراوي، لأنها منظمة شمولية لا تقبل بالتعددية والرأي المخالف، ولم تعرف منذ إنشائها غير الصوت الوحيد، وها هي مؤخرا تضيق الطوق على أول بادرة انشقاق بداخلها ( خط الشهيد)، لأنها تنتقدها وتطالبها بالانفتاح والتوقف عن معاكسة الحل والتفاوض حوله مع المغرب.

وكيف تكون ديمقراطية وقد نادت ولا تزال بأنها الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين، ضاربة عرض الحائط بوجود الصحراويين الذين لا يريدون التفريط في صحرائهم في ظل السيادة المغربية؟ وهم بالمناسبة أغلبية. وكيف تكون ديمقراطية وقد انبثق المجلس الملكي للشؤون الصحراوية ممثلا للقبائل الصحراويين المتشب بمغربيتهم وهي لا تعترف به، بينما يعترف المغاربة والمغرب بأن البوليساريو تيار سياسي معارض لسيادة المغرب على الصحراء، يتشكل من مغاربة صحراويين درسوا في الجامعات المغربية، ونتيجة لأوضاع سياسية خاصة في المغرب خلال السبعينات نادوا بالانفصال، واسسوا جبهتهم في 1973، وتلقفت الجزائر الشقيقة مطالبهم الانفصالية، مانحة إياهم الأرض والمال والعتاد، لكي تسلب منهم في النهاية القدرة على اتخاذ القرار، وتسخرهم لأغراضها من أجل إضعاف المغرب، في سياق دولي عرف تجاذبات الحرب الباردة التي قسمت العالم معسكرين.

والبوليساريو لا تمثل في حقيقة الوضع غير نفسها، وهي تعد ببضع مئات من القياديين والمستفيدين، ولا تمثيلية حقيقية لها على جميع الصحراويين الذين تسيطر عليهم في تندوف، منذ وقعوا في الفخ نهاية العام 1975 وعددهم لا يتجاوز أربعين ألفا، من أصل ثلاثمائة ألف صحراوي تقريبا اختاروا المغرب دولتهم منذ تاريخ سابق بمئات السنين سبعينات القرن العشرين.

وصحراويو مخيمات تندوف الذين مهدت البوليساريو لنقلهم للإقامة فوق الأرض الجزائرية ونفذت خطتها نهاية العام 1975، سقطوا في فخ الأكذوبة، وأصبحوا تحت السيطرة العسكرية والأمنية لتحالف الجبهة والجزائر عسكريا وأمنيا، وما عاد بإمكانهم العودة إلى الوطن إلا فرارا، وقد نجح منهم سبعة آلاف منذ دعاهم المغرب للعودة بداية الثمانينات، متسامحا إزاء إعلانهم العصيان المسلح ضده، في وقت تحبط البوليساريو محاولات عديدة لمئات آخرين اكتشفوا أكذوبة الوطن الصحراوي المستقل، وتعبوا من تحمل الذل والحياة غير الإنسلانية في المخيمات.

كيف تمنح البوليساريو الكرامة للصحراويين في المخيمات، وهي تستجدي بمأساتهم العطف الدولي، وتقايض بهم العالم وكأنهم أصول تجارية قابلة للمساومة والمقايضة، ثم تحول المساعدات الإنسانية الموجهة إليهم لخدمة أهداف غير إنسانية، لا يستفيد منها سوى حفنة من عناصر البوليساريو، بينما يعيش آلاف آخرون تحت رحمة ما يتبقى منها بعد استغلالها في أغراض سياسية وعسكرية وشخصية، وبهذه الحال شاط الخير بكري على زعير...

المساعدات الإنسانية في شكل بضائع ومواد غذائية وتجهيزات منزلية ومدرسية وغيرها تباع علنا في الأسواق الجزائرية وأسواق تندوف وأسواق مالي وموريتانيا بأسعار السوق، والأموال الموجهة للنهوض بأوضاع المحاصرين في المخيمات تستغل لتمويل الاستعراضات العسكرية والاستقبالات المناسباتية والدعائية والشخصية، وقد ترك الصحراويون يواجهون الجوع والحرمان وحيدين في المخيمات، تحت القمع العسكري، بينما طارت حفنة البوليساريو المسيطرة عليهم نحو تيفارتي في فبراير الماضي لتبذير المساعدات بعيدا عن المنتفضين في احتفالات وهمية للذكرى 31 لتأسيس ما يسمى ب" الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".

كيف تمنح البوليساريو الديمقراطية وهي تقمع الانتفاضات الشعبية في المخيمات حتى لا يعرف العالم حجم المعاناة والحرمان التي تطوق العائلات الصحراوية، شبابا وشيوخا نساء ورجالا وأطفالا. كيف تمنح الديمقراطية وقد أنشأت دولة وهمية بدون مؤسسات حقيقية أو انتخابات ودون استفتاء رأي الصحراويين، في تندوف أو في المغرب، ودون أرض، ودون اعتراف أممي أو دولي، باستثناء اعتراف عربي يتيم تمثله دولة الجزائر الشقيقة، وحتى الأشقاء الأفارقة أكثر من ثلثيهم لا يعترفون بالدولة الموهومة، وليس هناك اعترافا واحدا من أوروبا وأمريكا وآسيا وأستراليا، ولا اعتراف هناك من قبل الهيئات الدولية الكبرى، لا الاتحاد الأوروبي ولا البرلمان الأوروبي، ولا جامعة الدول العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي ولا منظمة الأمم المتحدة... لا اعتراف بدولة وهمية تسمي نفسها جمهورية عربية ديمقراطية صحراوية في الصحراء الغربية

صراع النوايا في نزاع الصحراء الغربية


فاطمة الغالية الركيبي
f_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1896 - 2007 / 4 / 25


لم تحمل مبادرة البوليساريو جديدا يذكر، رغم أنها حاولت تقديم نفسها كحل بديل، ذلك لأنها قامت باستنساخ المطالب التقليدية والمستحيلة التي لن تفيد في إيجاد حل واقعي ونهائي للنزاع، وذلك ما أكده المبعوث الأممي الخاص للأمين العام في الصحراء الغربية، في ندوة صحفية في نيويورك يوم الجمعة 20 أبريل أعقبت جلسة مجلس الأمن الدولي لطرح الوضع في الصحراء في ضوء تقرير بان كي مون ومقترحي الحلول.، في أفق استصدار قرار في الأيام القليلة المقبلة.

وقال بيتر فان والسوم إن مقترح البوليساريو "فاجأه"، خصوصا وأنه يعيد "نفس المواقف المعروفة سابقا"، ما يعني بوضوح أن مباغتة العالم، بما فيه الأمم المتحدة ممثلة في مبعوثها الخاص إلى الصحراء الغربية الذي قضى بضعة أشهر في المنطقة بهدف استطلاع التطورات، ليس بالأمر المستحسن، لاسيما وأنه يكشف عن وجود نية غير صادقة تجاه المساهمة في حل النزاع، يعكسها تعمد البوليساريو إخفاء نيتها تقديم مقترحها الخاص للحل على والسوم، هذا إن كانت حقا تهيئ حينئذ شيئا من هذا القبيل، فالموقف المعروف الذي ظلت تردده بجانب الجزائر هو رفضها المطلق مبادرة المغرب للحكم الذاتي، بالرغم من عدم الاطلاع عليها.

أمام العالم اليوم مبادرتان لحل نزاع الصحراء الغربية، واحدة كان العالم يعرفها منذ وقت غير قصير بفضل حملة التعريف والتشاور الدبلوماسية التي قادها المغرب في أكثر من ثلاثين دولة، وبفضل التجاوب والترحيب الذي لاقته عبر مختلف محطاتها، لأنها نابعة من صدق النية التي لولاها لأخفقت في تحقيق النجاح الدبلوماسي المعلوم، والثانية ولدت لقيطة في الوقت الميت مباشرة لدى حلول موعد تسليم المغرب مبادرته لمجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي، وذلك من وحي سوء النية لا ريب

إن صدق النية هي اساس ما دعا إليه الأمين العام الأممي الأطراف في تقريره الأخير، وهي أساس المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، وهذا نصها:

أ- التـزام المغـرب بالعمـل عـلى إيجـاد حـل سيـاسي نهـائي

1- ما فتئ مجلس الأمن، منذ 2004 ، يدعو "الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة، لوضع حد للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي".

. 2- وتلبية لهذا النداء الصادر عن المجموعة الدولية، انخرطت المملكة المغربية في دينامية إيجابية وبناءة، ملتزمة بتقديم مبادرة للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.

3- تندرج هذه المبادرة في إطار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية و التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهي مبادرة واعدة بانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة، فضلا عن أنه من شأنها أن تضع حدا للمعاناة من الفراق والنفي وأن تساعد على تحقيق المصالحة.

4- تكفل المملكة المغربية، من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء.

5- ومن هذا المنطلق، سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة
.
6- تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك، أمير المؤمنين.

. 7- ترمي المبادرة المغربية، المفعمة بروح الانفتاح، إلى توفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض والحوار، كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.

8- يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدإ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة.

9- ومن هذا المنطلق، فإن المغرب يوجه نداء إلى باقي الأطراف لكي تغتنم هذه الفرصة من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة. كما يعبر عن استعداده للانخراط في مفاوضات جدية وبناءة، انطلاقا من هذه المبادرة، وكذا عن الإسهام في خلق مناخ الثقة الضرورية لإنجاحها.

ولهذه الغاية، تبقى المملكة مستعدة للتعاون التام مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي.10-

ب- العنـاصـر الأسـاسيـة للمقتـرح المغـربي

11- المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا.
هو مشروع يقوم على ضوابط ومعايير متعارف عليها عالميا

12- يمارس سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيآت تنفيذية وتشريعية وقضائية، ووفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، عدة اختصاصات، ولاسيما في الميادين التالية : الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة؛ على المستوى الاقتصادي: التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة؛ ميزانية الجهة ونظامها الجبائي؛ البنى التحتية : الماء والمنشآت المائية والكهرباء والأشغال العمومية والنقل؛ على المستوى الاجتماعي: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية؛ التنمية الثقافية بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني؛ البيئة

. 13- تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على الموارد المالية الضرورية لتحقيق تنميتها في كافة المجالات. وتتكون هذه الموارد بالخصوص مما يلي: الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة؛ العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية، المرصودة للجهة؛ جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة؛ الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني؛ عائدات ممتلكات الجهة.

14- تحتفظ الدولة باختصاصات حصرية، خاصة منها ما يلي: مقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة ؛ المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية؛ الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية ؛ العلاقات الخارجية ؛ النظام القضائي للمملكة.

15- تباشر الدولة مسؤوليتها في مجال العلاقات الخارجية بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة. ويجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات.

16- يزاول مندوب للحكومة اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء، المنصوص عليها في الفقرة14 أعلاه.

17- من جهة أخرى، تمارس الاختصاصات، التي لم يتم التنصيص على تخويلها صراحة، باتفاق بين الطرفين، وذلك عملا بمبدإ التفريع.

18- تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية. وتشارك في كافة الانتخابات الوطنية.

ت- هيئـات الجهـة :

19- يتكون برلمان الحكم الذاتي للصحراء من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة. كما يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي للصحراء نسبة ملائمة من النساء.

20- يمارس السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك.
رئيس الحكومة هو ممثل الدولة في الجهة

21- يتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولا أمام برلمان الجهة.

22- يجوز للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك.

23- تتولى المحكمة العليا الجهوية، باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، النظر انتهائيا في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة.

24- يجب أن تكون القوانين والمراسيم التنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة.

25- يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا.

26- تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على مجلس اقتصادي واجتماعي يتشكل من ممثلي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والجمعوية، ومن شخصيات ذات كفاءات عالية.

ث- مسار الموافقـة عـلى نظـام الحكـم الـذاتـي وتفعيلـه

27- يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. ويعد هذا الاستفتاء، طبقاً للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان، لحقهم في تقرير المصير.

28- وتحقيقاً لهذا الغرض، تلتزم الأطراف بالعمل سويا وبحسن نية، من أجل تفعيل هذا الحل السياسي، وموافقة سكان الصحراء عليه.

29- كما تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة
.
30- تتخذ المملكة المغربية كافة الإجراءات اللازمة من أجل إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن إدماجا تاما في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم.

31- ولهذه الغاية، تصدر المملكة بالخصوص عفواً شاملاً يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو.

32- بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي، يساهم مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف، في تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة، وكذا في أي مسعى يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه، بما في ذلك العمليات الانتخابية.

33- إن المملكة المغربية لمقتنعة اليوم، مثل سائر أعضاء المجموعة الدولية، بأن حل الخلاف حول الصحراء لن يتأتى إلا بالتفاوض. وبناء على هذا الخيار، فإن المقترح الذي تطرحه على أنظار الأمم المتحدة، يشكل فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات، بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف في إطار الشرعية الدولية، وعلى أساس إجراءات توافقية تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.

34- وفي هذا السياق، يتعهد المغرب بالتفاوض، بحسن نية وبروح بناءة، منفتحة وصادقة، من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من جميع الأطراف، لتسوية هذا الخلاف، الذي تعانيه المنطقة برمتها. ومن أجل ذلك، فإن المملكة على استعداد للإسهام الفعال في توفير مناخ من الثقة، كفيل بالمساعدة على إنجاح هذا المشروع.

35- تأمل المملكة المغربية أن تستوعب الأطراف الأخرى دلالة هذا المقترح بكل أبعاده، وأن تقدره حق قدره وتسهم فيه إسهاماً إيجابياً وبناء، معتبرة أن الدينامية التي أفرزتها هذه المبادرة تتيح فرصة تاريخية لحل هذه القضية بصفة نهائية.

جزائريون ضد الموقف الجزائري في الصحراء الغربية


فاطمة الغالية الركيبي
f_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1885 - 2007 / 4 / 14


حينما نطرح قضية الصحراء الغربية، ونتحدث عن أطراف النزاع، من الأفضل أن نميز بين المواقف، فهناك مواقف متعنتة تسحب نفسها على الجميع، كما هو حال موقف جبهة البوليساريو التي تعمم موقفها الداعي للانفصال عن المغرب على جميع الصحراويين المغاربة، بينما لا تحكم قبضتها إلا على أقل من 25 في المائة منهم، وتفاديا للسقوط في خطإ التعميم، لا أدعي أن البوليساريو لا تمثل بتاتا إرادة معينة للانفصال عن المغرب، ولكن تلك إرادة أقلية لا تمثل جميع الصحراويين المحرومين من العودة إلى وطنهم في تندوف في الجزائر.

وبالمثل، هناك الموقف الجزائري الذي يقدم نفسه كموقف رسمي لدولة الجزائر الشقيقة، بينما لا يعبر عن موقف الشعب الجزائري الذي من المؤكد أنه لا يحب أن تتدخل بلاده في نزاع داخلي للمغاربة حول الصحراء الغربية، ولا أن تتبنى دولته خطابا مزدوجا حول علاقتها بالنزاع، بينما تستضيف على ترابها مخيمات الصحراويين، ولا أن تواصل بلده لعبة إلهائه عن مشاكله الحقيقية التي تبدأ من الحرب الأهلية ولا تنتهي عند الإرهاب والتطرف.

وفي هذا السياق، اطلعت مؤخرا على موقف جزائري مهم جدا لمثقف وإعلامي بارز، أود أن أتقاسمه مع القراء، لأنه يمثل الرأي الآخر للجزائر التي تريدها النخبة المثقفة والقاعدة الشعبية وتقف دونها النخبة العسكرية الحاكمة. ويهم الموقف المدير السابق لجريدة (لوماتان) الجزائرية محمد بنشيكو, الذي سجن لمدة سنتين بدعوى خرقه لقانون الصرف. وقد أصبح هذا الإعلامي "لاجئا" مرغوبا فيه في صحيفة (لوسوار دالجيري).

وعبر الإعلامي بنشيكو على صفحات ( لوسوار دالجيري) منتصف شهر مارس الماضي عن رأيه في فشل السياسة الجزائرية بخصوص إدارة ملف الصحراء الغربية، بناء على عدة حجج قوية، فهو يقول إن العصر لم يعد " عصر دبلوماسية لكن حلم القادة الجزائريين خلال السنوات الأخيرة كان ينطوي على أوهام ترتبط بعالم قديم آخذ في الانهيار والجزائر لم تقدر حجم انهياره".
واعتبر كاتب المقال أن "النظام الجزائري عرض نفسه بذاته للعزلة بسبب انطوائيته وجموده وتخلفه وتسلطه"، بخلاف النظام المغربي الذي سجل نقاطا كثيرة بانفتاحه وديناميته وممارسته الديمقراطية وتقدمه الواعد.

كما اعتبر المدير السابق لصحيفة (لوماتان) أن الجزائر لم تتمكن من التواؤم مع الخطاب السائد حاليا، خاصة في فرنسا في سياق الانتخابات المقبلة ومغادرة جاك شيراك للسلطة، لأن النظام الجزائري في رأيه لا يفهم " الخطاب الذي ينتمي لجيل جديد، لأنه غير المنسجم مع الواقع"، لكن الملك محمد السادس تمكن ببراعة " من التقاطه لكي يستخدمه بدوره، ويحظى بالاستماع، ويحسن صورة المغرب ويقلب الوضعية الدبلوماسية حول الصحراء الغربية لصالحه".

إن ما عبر عنه هذا الجزائري ليس مزايدات وتصفية حساب مع بلده الذي وأد حريته وحرية منبره الإعلامي، إنه يعبر عن حقائق ثبتت بقوة الواقع، لأن المغرب نجح في استقطاب اهتمام العالم بتحولاته السريعة والجريئة المتماشية مع روح العصر والديمقراطية، وأبان عن مرونة في التعاطي مع المعضلات السياسية، ومنها قضية الصحراء التي يتنازل فيها عن مركزية الحكم، عارضا تجربة حكم ذاتي جهوي لم يسبق لها مثيل في المنطقة والعالم العربي والإسلامي الذي ينتمي إليه، تمكن الصحراويين من صلاحيات واسعة في تدبير الشأن المحلي وفقا لخصوصياتهم الاجتماعية والثقافية، تحت السيادة المغربية

وإذا كان الإعلامي بنشيكو يتحدث بإعجاب ودفاع عن المغرب، والمغاربة بالمثل إزاء إخوانهم الجزائريين، فلأن ذلك من خصائص الشعوب الشقيقة التي تربط في ما بينها الروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية التي لا يمكن أن يعلى عليها، والتي لا يشاطرها بالضرورة الحكام الجزائريون، وهم بالمناسبة لا يقلون ارتباطا بالمغرب عن الشعب الجزائري الشقيق، خاصة قبل الوصول إلى دفة الحكم والتعرض لضغط المؤسسة العسكرية، أو بعد مغادرتها، ويكفي ذكر الرئيس الجزائري الثالث، الشاذلي بن جديد الذي استقر في مدينة طنجة ( شمالا)، و الرئيس الجزائري الرابع، القتيل بوضياف الذي كان مستقرا بمدينة القنيطرة (وسط غرب المغرب)، والرئيس الجزائري الخامس، علي كافي المستقر في مدينة الرباط العاصمة

محاولات يائسة لعرقلة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية


فاطمة الغالية الركيبي
f_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1881 - 2007 / 4 / 10

واجه مشروع الحكم الذاتي الموسع في الصحراء كما هائلا من الادعاءات لعرقلته ونسفه قبل وصوله إلى هيئة الأمم المتحدة نهاية شهر أبريل الجاري، في محاولة يائسة لاحتواء الأصداء الإيجابية التي خلفها عبر مختلف المحطات التي مر منها حتى الآن.
ورغم أن ادعاءات البوليساريو المدعومة من الجزائر الشقيقة هي ذاتها لم تتغير منذ ثلاثين عاما، فإن جديدها المرتبط بالطعن في مشروع الحكم الذاتي المغربي، وحملة المغرب للتشاور مع المجموعة الدولية بشأنه، يدفعنا للعودة إليها وتفنيدها، إنصافا للحقيقة التي لا تستقيم ببتر أهم مكوناتها، ألا وهي المملكة المغربية وأبناءها الصحراويين الذين يشكلون عدديا معظم سكان الصحراء الغربية.

* الحل الديمقراطي والوحيد

إن طعن البوليساريو والجزائر المتواصل في مشروع الحكم الذاتي، واعتباره حلا غير ديمقراطي ومزيف هدفه القضاء على حق الصحراويين في تقرير مصيرهم هو موقف يرفض منطق تطور التاريخ، والاستجابة لمتطلبات إرساء الديمقراطية التي فرضتها المتغيرات الدولية منذ سقوط جدار برلين.

ورغم تعدد تدخلات المنتظم الدولي، لم تفلح كافة الحلول المطروحة في السابق، لأنها كانت حلولا غير ممكنة، وغير عادلة لهذا الطرف أو ذاك. وقد حاولت هيئة الأمم المتحد حل النزاع عبر استفتاء تقرير المصير، مبني على تحديد الهوية، وتوصلت بعد عشر سنوات، من 1991 إلى 2001 إلى استحالة إنجازه تقنيا وسياسيا، لأن الصحراويين لا يعيشون فقط في الصحراء الغربية، بل في مجمل الصحراء الممتدة ما بين الجزائر ومالي وموريتانيا، وذلك يعني أنه يتعين تغيير الحدود بين كل هذه البلدان ليكون الاستفتاء عادلا وشاملا.

ومن هنا يعد الحل المغربي بمنح حكم ذاتي موسع للصحراويين حلا تاريخيا وحقيقيا ونهائيا، بل والحل الوحيد الممكن تطبيقه، لأن المغرب يدافع عن حل سلمي وسياسي، ولا يريد حلا عن طريق تكرار المواجهة الحربية التي دامت 16 عاما، ما بين العام 1976 والعام 1991، وحسمها المغرب لصالحه.

وتقدم المملكة المغربية مشروعها القاضي بإرساء حكم ذاتي موسع في الصحراء لجميع سكان الصحراء المغاربة، حتى الأقلية التي تحاصر معظمها جبهة البوليساريو في مخيمات تندوف، من أجل فض نزاع عقيم دام عقودا بدون حل، وترتبت عنه مآسي إنسانية واجتماعية كثيرة، رهنت مصير الآلاف من الصحراويين بدون جدوى، وعطلت مسار التنمية في المنطقة كلها.

ويعتبر الحكم الذاتي ممارسة ديمقراطية متطورة جدا لا توجد حتى الآن سوى في الدول المتقدمة ديمقراطيا، وهو أرقى مستويات ممارسة حق الشعوب في تقرير مصيرها. ويمنح الحكم الذاتي الموسع الصحراويين صلاحيات واسعة في تدبير شؤونهم المحلية، تحت السيادة المغربية. ولم يكن للمغرب أن يقدم على اقتراح هذا المشروع الحداثي غير المسبوق في العالم العربي والإسلامي ودول العالم الثالث، لولا أن توافرت له مقومات الدولة الحديثة التي انطلق بشجاعة في إرساء دعائمها في مختلف المجالات، وعلى رأسها الحقوقية والسياسية والاجتماعية، خاصة في عهد الملك محمد السادس.

وليس من دليل أبلغ على النهج الديمقراطي الذي اختاره المغرب لتدبير شؤونه الداخلية من مقترح الحكم الذاتي الموسع الذي يعرضه المغرب بعد إنهاء مشاوراته على أعلى هيئة دولية كدليل آخر على جدية مشروعه وشفافيته. وكان بإمكان المغرب أن يتشبث بموقف رفض مطالب البوليساريو والمجموعة الدولية، على غرار ما فعلت الجبهة والجزائر الشقيقة، لأنه في صحرائه، والصحراء في ترابه، ولأنه حسم النزاع عسكريا وميدانيا منذ العام 1991، ولأن أزيد من 80 في المائة من الصحراويين يعيشون تحت سيادته، متمتعين بكامل حقوق المواطنة التي يتمتع بها المغاربة كافة...

ومن منطلق المنطق الديمقراطي دائما، وترسيخا لثقافة التشاور، اقترحت المملكة المغربية مشروع الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، بتنسيق مع الصحراويين الموجودين في الأقاليم الجنوبية والحكومة المغربية والأحزاب السياسية المغربية والقوى الحية في المغرب ، وأنشأ الملك محمد السادس في 25 مارس 2006 المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية المكون من أعيان القبائل الصحراوية والمنتخبين المعروفين بصدق وطنيتهم، ليساهم المجلس في الدفاع عن مغربية الصحراء، والتعبير عن التطلعات المشروعة للصحراويين والمغاربة قاطبة في الحفاظ على وحدتهم الترابية.

وقد وضع إنشاء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية حدا لمزاعم جبهة البوليساريو بأنها الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين، وهي الأكذوبة التاريخية التي ظلت البوليساريو تروج لها على حساب إرادة واختيار غالبية الصحراويين، بمن فيهم الذين تطبق عليهم سيطرتها في مخيمات تندوف في الجزائر.
إن البوليساريو ليست مخولة للحديث عن الديمقراطية، وهي التي أنشأت دولة لا تدين بوجودها سوى لتكنولوجيا المعلوميات التي أوجدت لها موقعا افتراضيا في عالم يغلي اليوم بالكائنات غير الحقيقية، ولا وجود ترابي لها في الصحراء المتنازع حولها، لأنها دولة مصطنعة فوق التراب الجزائري، جل قادتها يسافرون بجوازات سفر جزائرية وتذاكر سفر في الطائرات الجزائرية، ويتخذون مأساة الصحراويين المحرومين من العودة إلى وطنهم أصولا تجارية التسول والبقاء.

وقد أنشأت الجبهة دولتها الوهمية حتى بدون أن تستفتي كل الصحراويين الذين تقول إنها تمثل تطلعاتهم، وبدون أن تستفتي كذلك الصحراويين الذين تسلطت عليهم بالقوة والابتزاز والوهم في مخيمات تندوف، وبدون انتظار حسم النزاع داخل الأمم المتحدة، لسبب واضح جدا، وهو أنها منظمة سياسية غير ديمقراطية وعسكرية وشمولية، تدين بالفكر الواحد ونظام الحزب الوحيد، وتاريخ وجودها يعود إلى ما قبل الطوفان الذي عفا عنه الزمن، ولا شيء من هذه المكونات يؤهلها لبناء دولة عصرية ديمقراطية.

وقد أدى القرار الملكي بإحداث تمثيلية حقيقية وواسعة للصحراويين إلى خلق ارتباك لدى البوليساريو، ووضعها أمام مسؤولياتها التاريخية والأدبية، لأن العالم أصبح عليه التعامل مع قضية تهم جميع الصحراويين المغاربة، سواء في الأقاليم الجنوبية أو في الأراضي الجزائرية في تندوف التي تستضيف الانفصاليين منهم والمحرومين من العودة إلى وطنهم في المخيمات، وبذلك استعادت قضية الصحراء بعدها الوطني والداخلي التي حاولت البوليساريو والجزائر نزعه منها، بادعاء أنه نزاع دولي.

* حملة تشاور لا تسويق

ولا تجد البوليساريو والجزائر من شيء تصف به التحرك الدبلوماسي المغربي المؤسس على المنطق الديمقراطي بشأن مشروعه سوى أنه تصعيد في اتجاه بيع المقترح الذي ترفضانه، بدعوى أنه يكرس انتهاك القرارات الأممية ومحكمة العدل الدولية إزاء ما تعتبره منطقة مستعمرة من قبل المغرب منذ العام 1975.

إن ما تقوم به المملكة الغربية من تحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة لدى الدول الأعضاء في مجلس الأمن وكافة دول العالم للتشاور حول مشروع الحكم الذاتي قبل عرضه على مجلس الأمن نهاية الشهر الجاري ليس بحملة بيع أو تسويق، وإنما هو عين الممارسة الديمقراطية الشفافة التي يسعى المغرب لتقديم أفضل ما فيها للصحراويين.

ولعله من الحكمة أن تتوقف البوليساريو والجزائر عن توجيه مثل هذا الوصف للحملة الدبلوماسية المغربية، لما في ذلك من إهانة للمجموعة الدولية المعنية بالحلول السلمية للنزاعات الدولية، في ظل تزايد ترحيبها بالمقترح المغربي، واستحسانها المبادرة المغربية الجديدة التي أضفت دينامية جديدة على صراع عقيم تجاوزه التاريخ.

كما أنه من الحكمة التراجع عن تغليط الرأي العام الداخلي والخارجي بشأن اعتبار المبادرة المغربية غير قانونية وانتهاكا للقرارات الأممية والدولية التي ظل المغرب على الدوام مساهما في تطبيقها في العديد من بؤر التوتر في العالم، بمشاركة قواته في مهام قوات حفظ السلام الأممية.

إن المبادرة المغربية جاءت إذن استجابة لنداءات المجموعة الدولية وإلحاحها على أطراف النزاع بضرورة إيجاد مخرج للمأزق الحالي في الصحراء بأسرع وقت ممكن، وبأكثر قدر من العملية، وطبقا للشرعية الدولية التي عبر عنها مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير الموجه لأطراف النزاع.

وطالب هذا القرار الصادر في أكتوبر 2006 الأطراف المتنازعة بالدخول في مفاوضات مباشرة لإيجاد حل سياسي دائم ومتفق حوله وقابل للتطبيق في اقرب الآجال. وتصب حملة التشاور المغربية في صلب ما طالب به مجلس الأمن، ليكون حله المقترح مبنيا على مشاورات واسعة. ولكن استثنت البوليساريو والجزائر نفسيهما منها، مفضلتين اتخاذ موقف سلبي تماما ومعاكس لتوجه المجموعة الدولية والقرارات الأممية.

* استكمال الوحدة الترابية

إن البوليساريو لا تفتأ تكرر أن الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار، يقع فيها انتهاك لقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية نتيجة للاحتلال المغربي منذ العام 1975، وأن مقترح الحكم الذاتي الموسع هو محاولة لإضفاء الشرعية على الاحتلال القائم.

وتتغاضى البوليساريو عن حقيقة تاريخية ثابتة تتعلق بسيادة المغرب على الصحراء الغربية قبل تاريخ 1975 الذي تعتبره تاريخ فرض الاحتلال على الصحراء الغربية. وقد ظلت الصحراء طيلة قرون أرضا مغربية موحدة لم تعرف وجود أي كيان انفصالي، وهو ما يؤكده قرار محكمة العدل الدولية الذي أكد أن الصحراء لم تكن ذات يوم أرضا خلاء، وأن قبائلها كانت مرتبطة بالسلطة المغربية المركزية بروابط البيعة والولاء ( قرار 22 ماي 1975).

وكان السلاطين المتعاقبون على حكم المغرب يعينون ممثلين عنهم في القبائل الصحراوية ويعينون القواد بظهائر، كظهير قبيلة الركيبات في العام 1906 على عهد الحكم العلوي، ويشرفون على تدبير النزاعات الداخلية التي تعرف باسم السيبة. كما انهم كانوا المسؤولين عن حل النزاعات مع القوى الأجنبية، كما تثبت ذلك مختلف الوثائق التاريخية المحفوظة في المغرب وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا.

وكانت الصحراء موضوع تصفية استعمار على عهد الحماية الإسبانية التي احتلت المنطقة في 1884 كما احتلت الشمال المغربي في العام 1912. وانتهت تصفية الاستعمار في المنطقة باستكمال المغرب وحدته الترابية، وفض نزاعه سياسيا مع إسبانيا طبقا للقانون الدولي، ولم يدخل الصحراء غازيا أو محتلا، بل دخلها سلميا في العام 1975 كما دخل باقي أراضيه عبر التفاوض مع إسبانيا، طرفاية وطانطان في 1958 وسيدي إيفني في 1969، بعد استرجاع منطقة الشمال في العام 1956، تاريخ حصوله على الاستقلال من القوى الفرنسية والإسبانية والدولية ( منطقة طنجة) التي فرضت عليه مسلسل تصفية استعمار متواصل مر بمراحل تاريخية كثيرة.

والمشكلة القائمة في الصحراء منذ ثلاث عقود هي مشكلة انفصال لا تحرر، وهي فكرة أجنبية أملتها مصالح أجنبية دخيلة على الصحراويين، ولولاها لما طال النزاع حتى يومنا هذا، لأن المغاربة بإمكانهم أن يحلوا خلافاتهم في ما بينهم، كما فعلوا على الدوام، ولأن الصحراويين يعتزون بانتمائهم للمملكة المغربية وتاريخها الذي يشهد على مر عصوره أنهم لم ينفصلوا عنها، بمن فيهم أجداد وآباء زعماء البوليساريو الحاليين، ويكفي أن نستشهد بكون العديد من أهل قياديي البوليساريو هم ضد حركة الانفصال، وضمنهم أب زعيم الجبهة محمد عبد العزيز نفسه، وهو عضو بارز في الكوركاس.

أما العودة إلى حمل السلاح والمواجهة العسكرية التي تلوح بها البوليساريو هي تهديدات لا طائل منها، وتؤكد فقط الطبيعة العسكرية للبوليساريو التي سبق أن انهزمت في الحرب. ومن المؤكد أن الجبهة تعرف جيدا عواقب الدخول مجددا في مغامرة المساس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية التي لن تتأخر في الدفاع عنها بكل الطرق الدبلوماسية والسياسية وغيرها من طنجة إلى الكويرة. إن استئناف الحرب غير ممكن، ومن يهدد بذلك، لا يمكن إلا أن يكون مجرما، معاديا لحركة السلام الدولية وقيمها ومبادئها.

إن المأزق الحالي في نزاع الصحراء الغربية هو نتاج عدم التزام الجزائر الشقيقة بما تقوله علنا، كونها ليست طرفا في النزاع، بينما تشجع المجموعة المتسلطة في البوليساريو على التطرف وعدم التنازل عن المستحيل، بكافة وسائلها المتاحة العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية والاقتصادية.

ورغم ذلك، فإن الصحراويين يرحبون بالحكم الذاتي الموسع كحل عادل يحترم خصوصياتهم وحقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويناسب طبيعة بيئتهم في مختلف جهاتها، في العيون والسمارة والداخلة وأوسرد وبوجدور، ويتطلعون إلى التغلب على النزاعات الهامشية، وإلى ,إطلاق الجزائر وحفنة البوليساريو المتسلطة سراح إخوانهم في مخيمات تندوف للالتحاق بوطنهم من أجل مواصلة مسيرة الديمقراطية والوحدة والحرية.

* ظواهر وتحديات

ورغم محدودية موارد المغرب الطبيعية والاقتصادية، وكونه البلد المغاربي الوحيد الذي لا نفط ولا غاز لديه، فإنه لم يتوقف عن تسخير كل ما لديه من طاقات لتنمية الصحراء والنهوض بمستوى عيش أبنائها وترسيخ المؤسسات الديمقراطية فيها وإدماجها في التنمية الشاملة للمملكة، لأنها جزء لا يتجزأ من ترابه، وفي هذا الشأن بالذات، تصدق البوليساريو بشأن صرف المغرب لأموال طائلة في الصحراء منذ استرجاعها في 1975، وتكذب بكل تأكيد بشأن الادعاء بأن للمغرب أطماع في ثروات المنطقة.

والمغرب واع كل الوعي بتحديات التنمية المطروحة أمامه في كل جهاته، وهو منخرط تماما في تجاوزها في مختلف المجالات، ولن يدعي أبدا بأنه لا يعاني مشاكل ومصاعب في طريق تثبيت العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة، لكنه خطا خطوات جبارة في هذا الاتجاه، بانفتاح سياسي يسمح بالتعددية وحرية الرأي والتعبير ونهوض مجتمع مدني جدا، وبنقد ذاتي لحقوق الإنسان غير مسبوق في العالم العربي والإسلامي والعالم الثالث، تحمل فيه مسؤولياته وعوض ضحايا التجاوزات الحقوقية والسياسية منذ الاستقلال.

ومن المغالطات الأخرى التي تروج لها البوليساريو للنيل من سمعة المغرب داخليا وخارجيا نعته بمصدر المخدرات، ما يسير في تضاد مع الواقع الراهن الذي يشهد دوليا للمغرب عن جديته في محاربة هذا المشكل، لكن المشكل لا يكمن هنا، بل في تدفق المخدرات بأشكالها من الحدود الشرقية مع الجزائر المتساهلة مع مافيا المخدرات وعناصر البوليساريو المتاجرة في كل شيء، ومحاولة إغراق الأسواق المغربية بالحبوب المهلوسة والقرقوبي والكوكايين، لتخريب عقول الشباب.

أما النيل من المغرب بكونه يصدر الهجرة السرية، ففيه استعلاء على الواقع الجيواستراتيجي الذي يجعل من المغرب بوابة القارة الافريقية نحو أوروبا، ويجعل منه ممرا مفضلا من الشبكات الدولية لتهجير البشر من البلدان المجاورة عبر الحدود الشرقية، والبلدان جنوب الصحراء وحتى من آسيا. ولم يقصر المغرب في مكافحة الظاهرة، محاولا احتواء هجرة مواطنيه عبر تحريك عجلة الاقتصاد بقوة، ومكافحة هجرة الأفارقة والأسيويين الوافدين سريا عليه، متحملا عبئا أمنيا واجتماعيا وسياسيا كبيرا يشهد به الاتحاد الأوروبي، وكان المؤتمر الأوروافريقي الضخم حول الهجرة السرية والتنمية دليلا على نجاح المغرب في مواجهة هذا العبء، في غياب الجزائر .

ثم هناك تهمة تصدير الإرهاب التي تلصق بالمغرب المعروف بانفتاحه وتسامحه الديني والثقافي، علما أن المغرب لم يتهم البوليساريو يوما بأنها منظمة إرهابية، وقام ولا يزال بجهود كبرى لمكافحة المد الإرهابي، تمخضت عن تفكيك 16 خلية العام الماضي، وهو ما يدفع بعناصر تنظيم القاعدة لاستهداف المغرب. ومعلوم أن الإرهاب تطور في الجزائر على نحو خطير حيث أعلنت المجموعة السلفية للدعوة والقتال، أكبر تنظيم إرهابي مسلح في الجزائر انضمامه إلى منظمة القاعدة، مطلقا على نفسه اسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. كما أنه معلوم من عدة تقارير استخباراتية دولية أن الإرهابيين يتخذون من المنطقة التي توجد فيها البوليساريو فوق الأرض الجزائرية في ملتقى الحدود مع الجزائر وشمال مالي وموريتانيا مجالا لتصدير الإرهاب والأسلحة ومختلف الأنشطة غير القانونية نحو المغرب.
إن المملكة المغربية تريد حلا نهائيا وعادلا لنزاع الصحراء الذي تولد عن ظروف الحرب الباردة، وأخر بناء المغرب العربي، ولم يأت بشيء إيجابي للمنطقة، ولم يمنع وقوع الحرب الأهلية في الجزائر، ولم يقف دون ظهور الإرهاب والتطرف. ولهذا يجب على جميع أصدقاء السلام والديمقراطية والحرية أن يدفعوا الجزائر والبوليساريو إلى الخضوع إلى الأمر الواقع ونداء العقل والإيجابية، لأنه لا يوجد من حل واقعي مشرف حافظ لكرامة المتنازعين سوى الحكم الذاتي الموسع الذي سيوفر على الجميع مغبة الخروج غالبا أو مغلوبا، ويوفر للصحراويين كافة بيئة ديمقراطية قائمة على انتخابات محلية حرة وحكومة ذات اختصاصات واسعة وبرلمان منتخب وقضاء مستقل، تسمح لهم بتدبير شؤونهم العامة وفقا لخصوصياتهم الثقافية والاجتماعية

الحكم الذاتي الحقيقة الوحيدة الممكنة لإنهاء نزاع الصحراء الغربية

فاطمة الغالية الركيببي
f_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1871 - 2007 / 3 / 31

يعيش العالم على إيقاع حملة دبلوماسية مغاربية مكثفة بشأن قضية نزاع الصحراء الغربية لا تخلو من متناقضات. وبينما يشرح المغرب في حملته التشاورية مبادرته لحل النزاع بشكل نهائي وعادل، استجابة لإلحاح المنتظم الدولي وهيئة الأمم المتحدة، تحشر الجزائر الشقيقة نفسها في القضية، مستخدمة كل ثقلها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي، وكأنها طرف معني بمستوى ما هو معني كل من المغرب والبوليساريو، في وقت لا تنفك فيه تردد العكس، مؤكدة أن ليس لها ما تطالب به ولا ما تقدمه في هذه القضية.
وبالموازاة للجزائر، يقود البوليساريو حملته الدبلوماسية، متعقبا أثر الجولات المغربية الموسعة عبر أوروبا وآسيا والأمريكتين وافريقيا. غير أنه لا يخفى على الملاحظين أن حملتي العرقلة التي تشنها البوليساريو والجزائر اكتفتا بالتحرك في هامش رد الفعل على المبادرة المغربية.
وتبدو الحملة المغاربية الجارية الآن بالفعل غير مسبوقة، لكن بوجود فارق جوهري بين أطرافها الثلاثة، فإنها تحسب لصالح المغرب. وهذا الفارق ليس إلا مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي لفت انتباه مجتمع دولي أعياه نزاع الصحراء المتجمد في نقطة الصفر منذ عقود، منبها إياه إلى وجود معالجة جديدة وجيدة للقضية يجب عدم إهدارها.
وترى المواقف الدولية اليوم في المقترح المغربي القاضي يمنح الصحراويين حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية أملا جديدا للتوفيق بين الأطراف المعنية، وسبيلا يسمح بواقعية التفاوض والوصول إلى تفاهم نهائي يضع حدا لمأساة الصحراويين المحرومين من العودة إلى وطنهم في مخيمات تندوف في الجزائر.
وفي كل الأحوال، لا يمنع التعامل الإيجابي مع المبادرة المغربية من طرح مختلف الأسئلة حول جدية المغرب والتزامه بما يقتضيه مشروعه الجريء من منح صلاحيات واسعة للسكان الصحراويين لتدبير شؤونهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومدى استعداده لاستيعاب تجربة سياسية غير مسبوقة في شمال افريقيا والعالم العربي، تجربة مرشحة لفتح باب المطالبة بتمكين مناطق أخرى في المغرب من الحكم الذاتي، وربما من شأنها أيضا أن تفتح بابا آخر لانتقال عدوى المطالبة بنفس الشيء في المنطقة المغاربية.
ويتضمن مقال " الحكم الذاتي بين الحقيقة والمؤامرة" المنشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 19 مارس 2007 أسئلة من هذا النوع، وهي أسئلة مشروعة بالتأكيد، لها إجاباتها، رغم أن بعضها مغرض بشكل واضح لا يستوجب الوقوف عندها، حفاظا على نجاعة النقاش.

* الخصم الحكم
أول تساؤل يطرحه المقال يتعلق بمدى إمكانية أن يمثل المغرب" حكما وخصما في نفس الوقت،اعتبارا لكون الطرح جاء من جانب واحد؟"
إن الجمع بين الصفتين ممكن جدا، إذا تحلى أحد الخصمين بالحكمة والتعقل وبعد النظر واحترام الخصم الذي يواجهه، وهذه حالة المغرب الذي قدم حلا تجتمع فيه كل مقومات فك الانسداد القائم في النزاع على الصحراء.
وإذا كان طرح المغرب هو طرح من جانب واحد، فلأن الطرف الآخر تخلى عن المساهمة في إيجاد حل، واستكان لواقع الحال المأزوم الذي اعترف المنتظم الدولي بعدم إمكان الاستمرار فيه.
وقد قام المغرب بمبادرة شجاعة، قدم فيها تنازلات، قامت على أساس طرح معادلة متوازنة للخروج من المأزق بدون غالب أو مغلوب، على أساس أن يحافظ فيها على وحدته الترابية وسيادته.

* بيكر 1 وبيكر 2
يتساءل المقال عمن " أفشل أكثر من مخطط ومشروع عمل كان نتيجة جهد وثمرة مفاوضات طويلة، آخرها مخطط بيكر الذي منح المغرب حكما ذاتيا لمدة خمس سنوات وإمكانيات كبيرة مع نسبة 65 في المائة من الهيئة الناخبة لحسابه؟"
قد يكون غاب عن كاتب المقال أن المغرب لم يأل جهدا لحل قضية الصحراء منذ كانت تحت الحماية الإسبانية، مرورا بمخطط التسوية لعام 1991 الذي عرقل فيه البوليساريو عملية تحديد هوية الصحراويين، وصولا إلى مخطط بيكر بالطبع. وربما في هذه الحالة تعمد المقال تجاهل التمييز الواجب بالنسبة لهذا المخطط الذي توجد له صيغتان، الأولى صيغة 2001 التي رفضتها البوليساريو والجزائر، ووافق عليها المغرب، والثانية صيغة 2003 التي رفضها المغرب بالفعل وقبلتها البوليساريو والجزائر، مما لا يسمح بالمغالطة والتضليل في هذا الشأن.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن المغرب لم يتوقف عند مرحلة مخطط بيكر بصيغتيها معا، بل تجاوزهما، بتنازلات، محاولا إخراج الصحراء الغربية من المأزق، بنفس الطريقة التي تجاوز بها المنتظم الدولي مخطط بيكر 2003 نفسه، لاعتباره حلا غير قابل للتطبيق، وهو ما أكده آخر تقرير للأمم المتحدة في أكتوبر 2006، داعيا أطراف النزاع للبحث عن حل سياسي دائم وعادل، متفاوض بشأنه ومتفق حوله.

* ضمانات الحكم الذاتي
وبالفعل، يحتاج مشروع الحكم الذاتي الموسع المقترح من المغرب إلى " ضمانات دستورية وسياسية ودولية" كما تساءل المقال، خاصة وأنه غير مسبوق في منطقة المغرب العربي.
ورغم أن السؤال يستبق الوقت، لكون مشروع الحكم الذاتي الموسع سيعرض نهاية الشهر المقبل أمام مجلس الأمن، فإن المغرب تعهد بالانفتاح على المقترحات والتعديلات التي قد يتقدم بها البوليساريو خلال النقاش.
كما أن عرض المشروع في الأمم المتحدة يعد ضمانة دولية في حد ذاته، بجانب المحطات الدولية التي شهدت حملة التعريف بالمشروع من قبل المسؤولين المغاربة والمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، المعروف اختصارا باسم الكوركاس (www.corcas.com),
من جانب آخر، فإن الضمانات الدستورية للحكم الذاتي مسالة واردة، ولا تشكل مبعث قلق بالنسبة للمغرب، ولا عائقا أمام خياره التاريخي والشجاع. ولهذا حين يضيف المقال تساؤلا استخفافيا آخر يهم قدرة المغرب على محاكاة دول كإسبانيا أو المانيا، فإن ذلك مما يمكن إدخاله في باب التعجيز العبثي، علما أن مغرب اليوم لا يقف ضد تيار إرساء الديمقراطية في مختلف أرجائه، والدلائل كثيرة، ضمنها استفادته من تجارب الحكم الذاتي الناجحة في العالم المتقدم في صياغة مشروع الحكم الذاتي الموسع، سواء في ألمانيا أو إسبانيا أو إيطاليا أو غيرها من دول الشمال...
علاوة على ذلك، يعد المغرب دولة ذات سيادة ومكانة دولية معترف بها، تعززت بمسلسل التحديث الذي يخوضه بخطوات واثقة منذ أزيد من عقد، وإصلاحات جريئة في مختلف الميادين السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، وليس مقترح الحكم الذاتي الحداثي إلا تأكيدا لمسار ديمقراطي وتنموي لا رجعة فيه، حقق فيه المغرب ريادة مشهود له بها دوليا وإفريقيا وعربيا، وعلى مستوى دول العالم الثالث عموما.

* البلقنة والانقسام
يتساءل المقال عن " قدرة المغرب على التعايش مع تجربة الحكم الذاتي" ارتباطا بكونه " بلدا تتقاسمه الإثنيات وتتوزعه الحساسيات"، غير أن التاريخ يشهد بأن التنوع الإثني للمغرب هو في الأصل مصدر غنى هويته، وقد شكل هذا البعد عبر قرون أحد مقومات الحضارة المغربية وقوتها، وبالتالي، فإن مقومات الانفتاح الكامنة في هذه الهوية المتنوعة لا تسمح فقط بالتعايش مع هذه التجربة، بل تعتبر إحدى ضمانات نجاحها.
وينتقل المقال من هذا العنصر الذي يظنه أحد نقاط ضعف مشروع الحكم الذاتي وتهديدا لاستقرار المغرب، إلى توسيع مجال هذا الادعاء نحو المنطقة المغاربية،علما أن واقع البلقنة والتطاحن في هذه المنطقة إنما فرضته محاولة خلق دويلة إضافية بدون مقومات السيادة الحقيقية، بدعم عسكري ومادي ودبلوماسي من دولة جارة وشقيقة، ما أدى إلى تعطيل تنمية المنطقة ككل، وتسميم الأجواء الإقليمية طيلة ثلاثة عقود رهنت مستقبل الصحراويين المحرومين من حق العودة إلى المغرب في تندوف بالجزائر، ورهنت معها مستقبل المغرب وبقية دول المنطقة.

* المؤامرة المزعومة
أما التشكيك في أن مشروع المغرب " مجرد مؤامرة للالتفاف على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير" كما جاء في المقال، فهو مزايدة لا نفع منها، لأن حق تقرير المصير هو بالذات ما يضمنه الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، عبر حكومة محلية وبرلمان منتخب من الصحراويين وقضاء مستقل لممارسة كافة الحقوق الجماعية والفردية للصحراويين.
ويدعي المقال أن للمغرب هاجسا أولا يتعلق بوجود قضية الصحراء في أجندة تصفية الاستعمار، وهذا تصنيف تاريخي خاطئ، لأن المغرب يعتبر قضية الصحراء استكمالا لوحدته الترابية واسترجاعا لسيادته التي مزقتها عدة قوى استعمارية، فرنسا في الوسط، وإسبانيا في الشمال والجنوب، وإدارة دولية في طنجة.
وقد صفى المعرب الاستعمار في الصحراء مع إسبانيا عام 1975، بفضل المسيرة الخضراء التي شارك فيها المغاربة قاطبة، بمن فيهم الصحراويون. ولم يعد للمغرب من هاجس سوى تسوية نزاع وطني، ليجتمع شمل أغلبية الصحراويين الذين يعيشون تحت السيادة المغربية بالصحراويين الموجودين رغم إرادتهم في مخيمات تندوف بالجزائر، وليعاود التاريخ سيره كما سار عبر قرون تلاحم فيها السلاطين المغاربة والشعب المغربي بمختلف مكوناته، والصحراويون جزء لا يتجزؤون منها
.