19 juin, 2007

نزاع الصحراء الغربية بين عهدين

شارك المغرب بمانهاست الأميركية، في الجولة الأولى من المفاوضات حول تسوية نهائية منشودة لقضية الصحراء، بثوابت موصولة، وبمتغيرات تكاد تكون جذرية، مقارنة مع جولات سابقة من محادثات أطراف النزاع.
الثابت، بالنسبة إلى المغرب، هو استمرار مواقفه الإيجابية، وتعاونه التام مع الأمم المتحدة، ومساهمته في إنجاح المساعي الأممية للوصول إلى تسوية نهائية، وأساسا اطمئنانا منه إلى قوة موقفه وعدالة قضيته الوطنية.
هذه الروح الإيجابية تتواصل اليوم، بأسلوب حضاري لفت انتباه المراقبين، ففي حين شحذت الجزائر وتابعتها البوليساريو أسلحتهما الإعلامية، وخرجا ببلاغات تشكيكات واتهامات وبتصريحات نارية صاخبة، اختار المغرب ضبط النفس والتمترس بالصمت، إلى حين الإعلان عن وفده المفاوض، في بلاغ إيجابي، يتمسك بروح قرار مجلس الأمن الدولي، الذي حث على مباشرة هذه المفاوضات "بحسن نية ودون شروط مسبقة".
خارج هذا الثابت المغربي، تنعقد مفاوضات اليوم في ظرفية مغايرة جذريا لكل الظرفيات السابقة، التي طبعت مسيرة النزاع حول الصحراء، تكشف، بكثير من القوة والوضوح، طبيعة الصراع اليوم : صراع بين إرادة التسوية والتوافق، وإرادة التوتير والاحتقان، الذي أضحى، في العمق، صراعا بين جيلين، جيل جديد متسلح بالأمل ويريد أن يصنع المستقبل، وجيل عتيق سجين عقلية التآمر ونهج التناور.
لنتأمل جيدا تركيبة الوفد المغربي، مسؤولون شباب يشاركون لأول مرة في المفاوضات، وتشكيلة وفدي البوليساريو وصانعتها الجزائر، الوجوه ذاتها التي شاركت في المفاوضات السابقة.
وفد الجزائر يضم على الخصوص يوسف اليوسفي، ممثلها لدى الأمم المتحدة، المعروف بتصريحاته البعيدة عن كل الأعراف الدبلوماسية، وعبد الله باعلي، مندوبها السابق لدى الأمم المتحدة، الذي لا يقل رعونة عن خلفه.
ووفد بوليساريو يتكون من التشكيلة نفسها التي شاركت في مفاوضات هيوستن، ويرأسها المحفوظ علي بيبا، عضو القيادة ورئيس ما يسمى بالبرلمان الصحراوي، وإبراهيم غالي، ممثل الجبهة في إسبانيا، ومحمد خداد منسقها مع المينورسو، و أحمد البوخاري، ممثلها لدى الأمم المتحدة.
تشكيلة الوفود تضع المنتظم الدولي أمام طبعة جديدة لنزاع الصحراء، الذي بات اليوم نزاعا بين عهدين : عهد مغربي جديد، برجالات جدد، وأيضا وأساسا بتدبير جديد للقضايا والمشاكل، وبرؤية جديدة للعالم، وللماضي والراهن والمستقبل، جيل بقيادة ملك شاب، متشبع بقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، ومتطلع إلى الاستقرار والأمن والسلم، ومتحصن بإرادة البناء على قاعدة الإنصاف والمصالحة، ومدرك لمتطلبات تحولات العصر، في عالم تغير ويتغير.
وفي الجهة المقابلة، عهد قديم بجيل المسؤولين الجزائريين القدامى، أسرى أطروحات متقادمة وبالية، بنيت أسسها على منطلقات وأهداف توسعية وهيمنية، وتعمل على تحقيق مخططاتها متوسلة بمعاكسة إرادة المغرب المشروعة في تجسيد حقوقه الوطنية على أقاليمه الجنوبية.
ففي الجزائر، كما لدى بوليساريو، يظل المسؤولون الذين يتابعون اليوم ملف الصحراء، هم أنفسهم الوجوه، التي طبعت مسيرة 34 سنة من النزاع بكثير من الصخب والضجيج وغبار التأزيم
ووصل الأمر إلى درجة أن الجزائر لم تكتف بمناورات ممثلها في الهيئة الأممية، خلال المداولات الأخيرة في ملف الصحراء، فبعثت سفيرها السابق لدى المنظمة الدولية، عبد الله باعلي، ليلاحق الديبلوماسيين والصحافيين، يوميا، داخل أروقة الأمم المتحدة، ونقلت تقارير إعلامية مظاهر الشفقة والملل، وحتى السخرية، من ترديداته المكرورة للأسطوانة الجزائرية المشروخة.
هذا مجرد توصيف لحالة، مفتوحة على كل الاحتمالات، التي لا تلغي من الحسبان ألغام التفجير والإفشال، لكن المتغير المغربي الجديد قد سيكون له دور فاعل في إعادة تأثيث المشهد بلبنات الأمل، وتغليب الحكمة والتبصر في تدبير قاطرة المفاوضات للوصول إلى محطة الحل الأمثل للنزاع المفتعل.
المتغير المغربي يستمد قوته من انخراط جميع مكونات الشعب المغربي، وسيما قبائل وسكان الأقاليم الجنوبية، في مقترح الحكم الذاتي، وتبنيهم له، الذي يمكن اعتباره بمثابة تقرير للمصير، يجمع بين الوحدة والديمقراطية والتقدم، ويهم الصحراويين الأصليين الموجودين في الأقاليم الجنوبية، ويمثلون أزيد من ثلثي جميع الحساسيات المنتمية إلى الصحراء، ويتطلع إلى انخراط باقي أبناء الصحراء فيه، حيثما وجدوا، بمن فيهم إخواننا الموجودون في مخيمات تندوف، في ظل مغرب موحد، يوفر لهم المواطنة الكاملة، وأسباب العيش الحر الكريم، ويمكن للجميع، بمن فيهم محمد عبد العزيز، أن يجدوا لهم الموقع المناسب في عملية بناء المشروع الديمقراطي الوحدوي الواعد، إما من موقع التدبير أو موقع المعارضة، وفي الحالين معا، سيكون الأساس هو المشاركة في بناء وإقرار ديموقراطية محلية فعلية، تتيح الفرصة للمناطق الجنوبية، لتتحول إلى نموذج لديموقراطية معيشة في القاعدة، ومتميزة بالفعالية، على مستوى المؤسسات السياسية، المعززة بالبنيات الأساسية الاقتصادية والاجتماعية، فهناك اليوم مغرب جديد، ورؤية جدية، وعرض جديد، يرعاه جلالة الملك محمد السادس، يضمن للجميع الحياة، التي كانوا يطمحون إليها، ويحلمون بغدها.
وهذا يتطلب مسألتين جوهريتين، أن يتخلص صحراويو تندوف من الوصاية الجزائرية، وسيجدون في مشروع الحكم الذاتي، ما يكفي لتحقيق المصالحة مع جميع الأطراف ومكونات المجتمع المدني المغربي، ومن خلاصات تجربة مغربية ما يلزم للتخلص نهائيا من خلافات ومواجهات الماضي، وفتح صفحة جديدة، تصاغ عباراتها بمشاركة جميع الصحراويين.
وثانيا، وبعد التطورات الإقليمية والدولية، أن تراجع الجزائر حساباتها، وترفع يدها عن الملف، لتيسير التسوية النهائية لنزاع الصحراء، والانخراط في بناء علاقات سليمة بين البلدين الشقيقين، المغرب والجزائر، والتوجه بإخلاص إلى بناء المغرب العربي، باعتبار أن المستقبل هو في هذا الفضاء المغاربي المستقر والديموقراطي والمتطور.
أما غير ذلك، والاستمرار في معاكسة مجرى ومنطق التاريخ، فلن يؤدي إلا إلى إدخال المنطقة في دوامة من العنف والصراعات لا يمكن التنبؤ بعواقبها، أو بحجم الرقعة الجغرافية، التي قد تستهدفها، بما سيكون لها من امتدادات وانعكاسات إنسانية واجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة.
ووعيا بهذا الأفق المظلم بالذات، أضحت مواقف المنتظم الدولي اليوم تتقاطع في اعتبار مقترح الحكم الذاتي حلا أمثل للنزاع المفتعل، لن يمكن فقط السكان من تدبير شؤونهم الجهوية، في إطار الديمقراطية والاستقرار والتنمية المندمجة، بل سيجنب المنطقة من أن تصبح بؤرة للتوتر والصراع، وتربة خصبة للإرهاب.

18.06.2007 عن يومية المغربية