22 mai, 2007

خطر قادم من الجامعة

يومية العلم 19-20 ماي 2007
عبد الله البقالي
في تجارب أخرى وفي دول مماثلة تقوم الجامعة بدور وظيفي ليس في الجانب المعرفي فحسب، ولكن في الجانب السياسي، نستحضر حالة أندونيسيا حينما قام الطلبة بدور حاسم في معركة التغيير، أما نحن فالجامعة أشبه ما يكون بمؤسسة تعليمية تكاد لا تؤدي حتى دورها المعرفي.
عادت الأوضاع في الجامعة إلى مقدمة الانشغالات، ولقد اعتاد الرأي العام أن تقفز هذه الأوضاع إلى صدارة الاهتمامات إثر حدوث مستجدات مرتبطة بكل ما يزيد الرأي العام المغربي حسرة وأسى عما آلت إليه الأوضاع في الجامعة، فهي لا تأخذ موقعا متقدما بسبب فتح جديد في البحث العلمي ولا بسبق كبير في إعتماد مناهج التدريس ولا بمبادرة رائدة في تجريب سبل التطور بما يندرج في سياق الوظائف التي كان من المفروض أن تبدع هذه الجامعة في القيام بها، بل العكس أنها تتوارى إلى الخلف، وفجأة تجد لها موقعا في وسائل الإعلام ومن خلالها في انشغالات الرأي العام بسبب توتر جديد يكتسي كل مرة خطورة استثنائية وغالبا ما يرتبط بكل ما هو عنف أو حركة احتجاجية للطلبة أو للأساتذة الجامعيين أو لشغيلة هذا القطاع التي توجد في منطقة ظل بالنسبة لاهتمامات المركزيات النقابية.
والحقيقة، لا نملك كل مرة إلا أن نتضامن في ظل ما تحدثنا عنه مع الطلبة والأساتذة خصوصا حينما تأخذ القوات العمومية موقع المخاطب والمتحاور بالنسبة لهؤلاء، لكن بلغة العنف فتقتحم البيوت في الأحياء الجامعية وتزرع الرعب في أوساط الطلبة الشباب وتخلف ما تخلف من خسائر وانكسارات نفسية، تكون بمثابة ضربات تحت البطن لجسدنا السياسي الذي يعاند من أجل أن يتعافى ويمتلك القدرة على السير، ولا نملك إلا أن نعلن الحسرة والرفض حينما نعوّض إحدى الفصائل الطلابية بغض النظر عن هويتها وطبيعتها، هذه الجهة في إنجاز مهمة العنف والترهيب ضد فصيل طلابي آخر.
نعم، عرفت الجامعة المغربية موجات ومظاهر من العنف الطلابي أفضى في بعض المحطات الساخنة إلى القتل، لكن الخلاف ارتبط دوما بما هو إيديولوجي سياسي صرف، حيث أدى التباين والاختلاف في تقدير المراجع السياسية وتفسير التنظير إلى المنغلق وكان العنف بديلا للحوار، هذه المرة يضيف العنف الطلابي عنصرا جديدا يتعلق بالخلاف العرقي والإثني حتى، ثم الجغرافي، هذا ما يفسر ظهور تسميات جديدة كما هو الشأن بالنسبة للطلبة الأمازيغيين والطلبة الصحراويين، ومن يدري قد يحمل الغد تسميات أخرى من قبيل طلبة الشمال، وطلبة الوسط، والطلبة العرب والطلبة المسلمين وغير ذلك من الإضافات التي تؤكد شيئا واحدا وهو أن الخواء النضالي في الجامعة المغربية يتجه إلى إقرار معطيات خبيثة.
إنني مع ذلك أجد تخفيفا في قراءة ثانية لما حدث، هي ليست بعيدة عن الحقيقة، ذلك أن التطورات الأخيرة المرتبطة بقضية وحدتنا الترابية زادت في تشديد الخناق على خصوم وحدتنا الترابية على المستوى الدولي والداخلي، وكان لابد لهم من إعادة تحريك العناصر الموالية لهم في الداخل بهدف إثارة الانتباه إلى نضالهم من أجل الانفصال، وبالتالي إعلان استمرار الحضور.
إن قيادة جبهة البوليساريو تجتهد في استعمال عناصر الداخل للاستثمار الخارجي، فهي تواجه مستجدات وازنة ليست في صالحها على المستوى الديبلوماسي الدولي، وعلى المستوى الداخلي، بعدما تعمق الاستقرار باستثناءات قليلة جدا وليست ذات قيمة، ومن الطبيعي في ظل كل هذا أن تسعى قيادة جبهة البوليساريو إلى تحريك بضعة عشرات من الطلبة المناصرين لها في الجامعات المغربية واللائحة هنا لا تقتصر على جزء من الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية بل تضم أيضا بضعة طلبة ينتمون إلى تيارات راديكالية معروفة. نعم قد يتعلق الأمر في بعض الأحيان بسياسة مفرطة شعر بها فصيل أو مجموعة، فقد يقود خلاف بين طالبين إلى القول بمحاولة استهداف المجموعة أو الفصيل.
لِمَ جامعتنا تتجاوز هذا السقف، ولم ترق هذه المؤسسة الوازنة في المجتمع إلى فضاء لتدبير الخلاف والتمرين على الديمقراطية وتجريب الحوار والنقاش الذي يولد الأفكار والبدائل، ولا هي استطاعت أن تمثل فضاء للدراسة والتحصيل وتفعيل البحث العلمي.
في تجارب أخرى وفي دول مماثلة تقوم الجامعة بدور وظيفي ليس في الجانب المعرفي فحسب، ولكن في الجانب السياسي، هل نستحضر حالة أندونيسيا حينما قام الطلبة بدور الحسم في معركة التغيير؟!
في الحالة المغربية، تعمدت سياسات سابقة قادها وأخرجها رجل اسمه ادريس البصري تربية »البعبع« الذي يخيف داخل أحشاء الجامعة في إطار حسابات كانت مرتبطة بالحقل السياسي، وهاهي الجامعة المغربية أشبه ما تكون بمؤسسة تعليمية ( حتى لا أقول أكثر من ذلك ) تكاد لا تؤدي حتى دورها.
التطورات جاءت متسارعة هذه المرة في هذا الصدد، فلقد انطلقت شرارة العنف الطلابي من جامعة أكادير، وخرجت في سابقة مثيرة من فضاء الجامعة لتنتشر في الأحياء والزقاق وتحول الأمر إلى ما يشبه ميليشيات مدججة بالسلاح تبحث عن تصفية الآخر، وسرعان ما تطايرت هذه الشرارة إلى جامعات مراكش والدار البيضاء خصوصا وأخيرا إلى الرباط بدرجة أقل بعدما كانت قد حطت الرحال في الرشيدية وأفضت في تطور خطير إلى وفاة طالب، ومن يدري فقد تجد لها امتدادا وانتشارا في جميع المدن الجامعية.
هل يتعلق الأمر بمطالب طلابية محددة قاد النضال من أجل تحقيقها إلى ما وصلت إليه الأمور؟ مع كامل الأسف إن ما حدث لا يجد تفسيرا له في هذا السياق، بل لقد كان السبب هذه المرة مرتبطا بخلفيات ليست لها علاقة بالجامعة ولا بمطالب طلابية محددة.
نعم، نفهم ونتفهم أن المطالب الطلابية لا يقبل أن تنحصر في تحسين الأكل والمبيت وتجويد الظروف وأجواء الدراسة، بل يجب أن ينخرط النضال الطلابي في النضال السياسي الوطني من أجل الديمقراطية والتحديث السياسي والعدالة الاجتماعية وغيرها، ولكن ما حدث لا يجد أيضا تفسيرا له في هذا الفهم الشمولي العميق.لقد تصدر الذين يسمون أنفسهم الطلبة الصحراويين هذه الأحداث في جميع المواقع الجامعية، في أكادير تواجهوا مع الذين سموا أنفسهم بالطلبة الأمازيغيين، وفي الدار البيضاء تواجهوا مع الذين نعتوهم »بالعصابات« ، وفي مراكش تواجهوا مع الجميع بدعوى التضامن مع رفاقهم في أكادير، بيد أنه في الرباط اكتفوا بتعليق لافتة وتنظيم ما يشبه حلقات كان الحضور فيها يقتصر في الغالب على بضعة طلبة قد لا يتجاوزون العشرة في بعض الأحيان
وصلة إلى الموضوع

Aucun commentaire: