17 mai, 2007

حرب التأويلات حول قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية


فاطمة الغالية الركيبي
f_rguibi@yahoo.fr
الحوار المتمدن - العدد: 1905 - 2007 / 5 / 4


بينما كان مجلس الأمن يتدارس الوضع في الصحراء الغربية الأسبوع الماضي لاستصدار قراره بعد التصويت عليه، كانت جبهة البوليساريو والجزائر الشقيقة تنسجان خطة تضليل إعلامي قوية، خاصة مع تأخر صدور القرار بشكل غير مألوف عن السابق، للتأثير على الرأي العام الدولي، وربما أيضا التأثير على ما كان يجري من نقاشات بداخل المجلس.

وإلى حدود صدور القرار رقم 1754 متأخرا مساء الاثنين، بسبب احتداد النقاش بشكل غير مسبوق، كانت الآلة الإعلامية والدبلوماسية هذه لا تزال تروج لأخبار كاذبة عن نجاح البوليساريو وأصدقائها في إقناع أعضاء مجلس الأمن بعدم صلاحية المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، حتى لا تتم الإشارة إليها بإيجابية، أو بشكل يجعلها ذات أسبقية على مقترح البوليساريو الذي ولد في الوقت الميت مفاجئا العالم بمولده لا بمضامينه.

وبدون مراعاة لسرية النقاشات الدائرة داخل مجلس الأمن، كانت الجبهة والجزائر تصدران "قرارهما" الخاص بشأن قضية الصحراء، قبل انتهاء أعضاء المجلس أنفسهم من إجراءات النقاش والتصويت. وذكر "القرار الأممي" المنجز من قبل البوليساريو وأنصارها أن أعضاء مجلس الأمن اتفقوا بالإجماع على وضع المبادرتين المغربية والبوليسارية في نفس المرتبة، بعد أن أجروا تعديلا محوريا في نص مشروع القرار قضى بحذف فقرة كانت تنوه بالمبادرة المغربية، كما ضم " القرار" إياه ما يفيد أن النزاع يهم تصفية الاستعمار.

وتبادل الحليفان التهاني لتحقيق هذا الانتصار الموهوم، وزايدت الجزائر من جانبها بأن قالت إن القرار يحتوى على فقرة تشير إلى وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، أي اتهام المغرب بانتهاكها في الصحراء الغربية.

وفي نفس الوقت، سبقت الجزائر قيادات الجبهة عبر ممثل البوليساريو في الجزائر، الحامل صفة سفير لما يسمى جمهورية الصحراء العربية الديمقراطية التي لا وجود لها بالنسبة للأمم المتحدة ومعظم دول العالم، للإعلان بأن البوليساريو مستعدة للمفاوضات مع المغرب، ما يؤكد مرة أخرى أن الجزائر هي من تقود حركة البوليساريو وتحدد مواقفها، وهي من كانت تقف وراء استباق المغرب لتسليم مبادرته للأمين العام للأمم المتحدة، حيث أشهرت المقترح اللقيط المكرر للمطالب القديمة مكتوبا باللغة الفرنسية التي هي لغة الجزائر الرسمية الثانية، حسب مصادر عليا بداخل الأمم المتحدة اطلعت على الوثيقة الأصلية، وليست لغة البوليساريو التي تستخدم اللغة الإسبانية والإنجليزية والعربية.

وتعكس مختلف هذه التصريحات والمناورات في واقع الأمر وقوع جبهة البوليساريو والجزائر في ارتباك كبير، خلال الوقت القصير- الطويل الذي سبق التصويت على القرار 1754، لأن موازين القوى كانت تميل في الاتجاه الذي لا ترغبان فيه، خاصة مع دفاع قوي عن المبادرة المغربية من قبل فرنسا والولايات المتحدة، وإسبانيا التي حاولت الجزائر الضغط عليها برفع سعر الغاز بنسبة 10 في المائة أخيرا، حتى إن وزير الخارجية الإسبانية خرج في آخر تصريح له عن طوره وقال " إننا لسنا ملزمون بدعم البوليساريو ضد المغرب" ؟؟؟

وكاد القرار أن يحذف في صيغته النهائية الإشارة إلى مقترح البوليساريو الذي كان فاقدا للمصداقية والجدية، ثم تم الاكتفاء بالإشارة له في شكل إدانة لمحتواه المغرض والفارغ. وبعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1754 مصوتا عليه بالإجماع وانكشاف الأكاذيب التي زادت من حرج موقف البوليساريو والجزائر، انطلقت حملة تأويل وكذب أخرى، أو لعلها حملة مداراة الحرج والارتباك ومحاولة حفظ ماء الوجه أمام العالم، وخاصة أمام الذين تخشى أن يتحول دعمهم إلى البحث عن المخرج للمأزق السياسي والإنساني العالق في الصحراء الغربية.

وقد ظهر للبوليساريو أنه من الأفضل أن تبدي ارتياحها للقرار نفسه الذي عبرت عن خيبتها العميقة اتجاهه في وقت سابق وهي في قلب مجلس الأمن على لسان مساندتها جنوب افريقيا، فقد تضمن القرار عبارة طوق النجاة " تقرير المصير" لتواصل عبرها تأويلاتها المجانبة للصواب، وتعلن أن القرار أكد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، هذا الحق الذي لا ينكره المغرب على مواطنيه الصحراويين في مقترح الحكم الذاتي كما هو منصوص عليه في أعراف ومقتضيات الشرعية الدولية.

لكن البوليساريو أولت العبارة بما يفيد أن إحقاق حق تقرير المصير يمر عبر استفتاء، وانطلقت تردد أن الاستفتاء الذي لم يذكر القرار شيئا بخصوصه هو الحل، وأن ذلك يعد انتصارا ضخما لمطالبها. وقد تعمدت تجاهل تشطيب القرار 1754 على مخطط بيكر الثاني الذي كان يتضمن تقرير المصير بشأن الاندماج أو الاستقلال عن المغرب عبر استفتاء يجرى بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

علاوة على ذلك، تغاضت البوليساريو عن مجرد قراءة ما هو مسطر في القرار بشأن المبادرة المغربية من حيث أنها تتسم بالجدية والمصداقية، وزادت من عندها أن القرار وضع المقترحين على قدم المساواة. وهل من مساواة في موقف دولي أممي ينوه ويرحب بالمقترح المغربي ويصفه بالجاد والموثوق به، والقادر على المضي قدما بالقضية نحو التسوية، مقابل مجرد الإشارة إلى وجود مقترح البوليساريو؟.. فقط لأنه موجود ولو دون معنى أو إضافة؟ أو لأنه موجود ليس لذاته، بل لغاية التشويش وعرقلة اعتماد المخطط المغربي

أما الجزائر الشقيقة، فعبرت هي الأخرى عن ارتياحها إزاء القرار، وزادت من عندها مبررة دواعي ارتياحها ( ترتاح كثيرا إلى التأويلات طبعا بدل النظر مباشرة إلى الحقائق والوقائع) بأن القرار يؤكد الموقف الثابت الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة بالنظر إلى مقتضيات تصفية الاستعمار، بالرغم من أن القرار الأممي لم يأت على ذكر تصفية الاستعمار، ليس في هذا القرار وحسب، بل في جميع قراراته وتقارير الأمم المتحدة بشكل عام.

ولا باس أن نزيد من عندنا تأويلا نساعد به البوليساريو والجزائر على مهمة التأويلات الشاقة لخروجها عن النص والعقل، ونؤول الفقرة التي يتجاهلها الطرفان تماما في البند الثاني وتربط انطلاق المفاوضات المباشرة غير المشروطة ب" الأخذ في الحسبان التطورات الحاصلة على مدار الشهور الأخيرة، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، بما يكفل لشعب الصحراء الغربية الحق في تقرير مصيره" ونؤول شرط "الأخذ في الحسبان التطورات الأخيرة " على أنه إشارة إلى الحملة الدبلوماسية المضادة التي قادتها الجبهة والجزائر متعقبة أثر الحملة المغربية الناجحة، للتشويش عليها وعلى الترحيب والمباركة اللذان لاقتهما، فقط من أجل أن تؤكدا أنهما غير قادرتان على إبداع الحل للمأزق سوى في حدود الرفض القاطع للمقترح المغربي دون أدنى بديل شجاع.

وبهذه التأويلات، أصبح القرار 1754 متناقضا في مقتضياته، فهو يعني أن البوليساريو ستنشأ جمهوريتها الموهومة على أساس استفتاء تقرير المصير يؤدي حتما إلى الاستقلال، وفي نفس الوقت يزكي بالإجماع مبادرة المغرب " المحتل" وينوه بها على أساس أنها " مبادرة جادة وذات مصداقية وتسير بالنزاع قدما نحو التسوية بتأكيد احتلال المنطقة"؟؟؟؟

وبينما تجري الآن ترتيبات الإعداد لإجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب والبوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة، فإن المقترح المغربي للحكم الذاتي الموسع في الصحراء المفتوح على اقتراحات وتعديلات البوليساريو يشكل الحل الأمثل للنزاع، لأنه على اساسي توافقي، لا هو استقلال كامل عن المغرب ولا هو اندماج كلي فيه. ويزكي القرار الأممي الأخير الحل الوسط في تنويهه " بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية"، ودعوته أطراف النزاع للمفاوضات،" مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات" التي حققها المغرب في نزاع كان متجمدا بفضل المشاورات التي تمت وطنيا وصحراويا ودوليا لإعداد مقترح الحكم الذاتي وصياغته بالشكل الذي يضمن للصحراويين تقرير مصيرهم توافقيا، ويمنح المتنازعين وضعا لا غالب ولا مغلوب
.

Aucun commentaire: